العاصفة الثلجية تفضح اختلالات منظومة الطاقة الأميركية
إمدادات الغاز الطبيعي تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عقد مع تجمّد الآبار وتعطّل خطوط الأنابيب
معظم خسائر إنتاج الغاز سُجلت في حوض شمال شرق أبالاتشيا مع انخفاض الإمدادات إلى أدنى مستوى منذ 2018
أودت موجة البرد القاسية التي ضربت معظم أنحاء الولايات المتحدة في الأيام القليلة الماضية، بحياة العشرات، وحرمت الملايين من التيار الكهربائي بشكل مؤقت. مع ذلك، نجت البلاد بصعوبة من كارثة كانت لتكون أسوأ، مع تعثّر إمدادات الغاز الطبيعي والطاقة على امتداد ولايات عدة، ما كشف مدى ضعف شبكة الكهرباء المعرضة لكارثة مدمّرة.
العاصفة الثلجية استحضرت ذكريات الموجة القطبية التي ضربت ولاية تكساس في شتاء 2021 وتسببت بانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع. لكن الفرق أن تلك الموجة اجتاحت منطقة لم تعتَد على البرودة الشديدة، بينما العاصفة الأخيرة اجتاحت الغرب الأوسط والشمال الشرقي، وهما منطقتان يُفترض أنهما مستعدتان بشكل جيد للطقس البارد. وبالتالي، فإن غياب هذا الاستعداد كما ظهر على أرض الواقع، يكشف عيوب منظومة الطاقة التي تعاني إمدادات محدودة من الغاز الطبيعي، مع عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل عندما يتعلق الأمر بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
قال مايكل ويبر، أستاذ موارد الطاقة بجامعة تكساس في أوستن: "تكشف هذه الكتل الهوائية الباردة، هشاشة أنظمة الطاقة لدينا. على الرغم من أن تقلّب إنتاجية طاقة الرياح والطاقة الشمسية معروف جيداً، ونوقش كثيراً، إلا أن حالات التجمّد هذه تظهر أيضاً هشاشة منظومة الغاز".
تراجعت إمدادات الغاز الطبيعي، وهو الوقود الأساسي للتدفئة وتوليد الطاقة في البلاد، إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد من الزمان، مع تجمّد الآبار وتعطل خطوط الأنابيب، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير. كانت أكبر شبكة كهرباء في البلاد على وشك أن تصبح مجبرة على تقنين التيار مداورة بين المناطق، في وقت انقطع فيه التيار الكهربائي لفترة وجيزة عن السكان في 24 ولاية على الأقل. وصلت الوفيات الناجمة عن العواصف إلى 27 حالة على الأقل في مدينة بوفالو بولاية نيويورك.
عاصفة عاتية
شدة العاصفة واتساع الرقعة الجغرافية التي غطتها، يجعلان منها عاصفة استثنائية، وهذا يضاف إلى انخفاض درجات الحرارة التي وصلت إلى سالب 50 فهرنهايت (46 درجة مئوية تحت الصفر) في بعض الأماكن. تسبب تحرك التيارات النفاثة على امتداد المناطق الشمالية من الولايات المتحدة، بأجواء باردة في أجزاء كبيرة من البلاد، وبشكل متزامن، لم تتمكن معه شبكات الكهرباء من الاعتماد كثيراً على الأنظمة المجاورة للمساعدة في تعزيز الإمدادات. هذا النمط من الأحداث يمكن أن يصبح أكثر شيوعاً، إذ إن الاختلالات الحادة في التيارات النفاثة، هي السمة المميزة لتغير المناخ.
سجّل إنتاج الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة يوم 23 ديسمبر الجاري، أكبر انخفاض يومي منذ أكثر من عقد، حيث نفد ما يقرب من 10% من الإمدادات بسبب تجمّد الآبار. انخفض الإنتاج إلى 84.2 مليار قدم مكعب يوم السبت الماضي، متراجعاً 16% عن مستوياته الاعتيادية، قبل أن يبدء الارتفاع بشكل بطيء، وفقاً لبيانات "بلومبرغ إن إي إف" التي استندت إلى جداول خطوط الأنابيب.
يعني هذا أن الموردين كانوا يعتمدون بشكل كبير على مخزونات الغاز الموجودة في كهوف الملح وخزانات المياه الجوفية المستنفدة، لمواكبة الطلب الذي ارتفع إلى 144 مليار قدم مكعب يوم الجمعة.
سُجّل معظم خسائر الإنتاج في حوض شمال شرق أبالاتشيا، حيث تراجعت الإمدادات إلى أدنى مستوى لها منذ 2018. تقلبت العقود الآجلة للغاز الطبيعي الأميركي على مدى الأيام الماضية، حيث ظلت الإمدادات محدودة بشدة بسبب التجمّد.
مشاكل خطوط الأنابيب
انخفضت الإمدادات من منطقة أبالاتشيا إلى تينيسي فالي والغرب الأوسط بأكثر من النصف عن مستوياتها الطبيعية، وفقاً لبيانات تدفق خطوط الأنابيب التي جمعتها "بلومبرغ إن إي إف". تفاقمت الأوضاع بسبب المشكلات الميكانيكية في البنية التحتية لخطوط الأنابيب، بما في ذلك محطة ضاغط في أوهايو تديرها شركة "تكساس إيسترن ترانزميشن" (Texas Eastern Transmission) التابعة لمؤسسة "إنبريدج" (Enbridge)، والتي تسبّبت في ظروف قاهرة طالت بعض إمدادات الغاز. اضطرت كلٌ من "هيئة تينيسي فالي"، وهي مزود طاقة مملوك فيدرالياً لعدة ولايات في الجنوب، و"ديوك إنرجي" (Duke Energy)، إلى إصدار أوامر بقطع التيار الكهربائي للحفاظ على الطاقة.
في يوم الجمعة الماضي، تم تداول الشحنات المادية للغاز في مركز يزوّد ولايات نورث كارولينا وساوث كارولينا وفيرجينيا بـ60 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أي بزيادة تقارب 650% مقارنة بمستوياتها قبل يومين فقط. يعد هذا أيضاً أكثر من 8 أضعاف سعر الغاز الذي يُسلّم إلى "هنري هب" (Henry Hub) في لويزيانا، بصفته المعيار الأميركي. بحلول يوم السبت الماضي، تجاوز سعر الغاز 100 دولار في واشنطن وأجزاء من نيو إنغلاند.
وزيرة الطاقة الأميركية تمد جسور التعاون لشركات النفط والغاز
أعلنت شركة "بي جيه إم إنتركونكشن" (PJM Interconnection LLC)، وهي أكبر مشغل للشبكات في الولايات المتحدة من خلال خطوط تمتد من إلينوي إلى نيوجيرسي، حالة طوارئ استثنائية عشية أعياد الميلاد، ما تطلب من بعض عملائها البالغ عددهم 65 مليوناً تقليص الطلب مع التحذير من احتمال حدوث انقطاعات متكررة. كما حثت الشركة الأسر على الحفاظ على البيئة خلال عطلة نهاية الأسبوع. وفي تكساس، منحت وزارة الطاقة إعفاءً طارئاً للسماح لمحطات الطاقة بالاستمرار في العمل دون انتهاك حد الانبعاثات.
يعد هذا هو فصل الشتاء الثالث على التوالي الذي تسبب فيه التجمّد في انخفاض إنتاج الغاز الطبيعي بما لا يقل عن 8 مليارات قدم مكعب يومياً، ما يؤكد زيادة وتيرة العواصف التي تعطل الإنتاج.
يعتبر الغاز الطبيعي الآن الوقود الأساسي بالنسبة إلى محطات الطاقة، متفوقاً على الفحم بفضل طفرة النفط الصخري التي بدأت منذ أكثر من عقد من الزمان. كان هذا الوقود مكلفاً للغاية، لدرجة أن نيو إنغلاند كانت تعتمد على النفط بما يصل إلى 40% من طاقتها الكهربائية خلال عطلة نهاية الأسبوع الطويلة لعيد الميلاد.