د.على عبد النبى يكتب: لوبى الغاز الطبيعى يطارد المحطات النووية الأمريكية
الطاقة هى قلب كل شيء نفعله، وبحلول عام 2040، من المتوقع أن يرتفع إجمالي الطلب على الطاقة العالمى بنحو 30%. هذه الزيادة في الطلب هي نتيجة الاستخدام المتزايد للطاقة من قبل مليارات الأشخاص الذين يعيشون في الدول النامية. ولن يكون هناك مصدر وحيد للطاقة قادراً على تلبية كل هذه الاحتياجات الإضافية. ومع ذلك، سيلعب تدفق الغاز الطبيعي دوراً حاسماً من خلال المساعدة في تلبية الطلب المتزايد (وبشكل غير مباشر) لاستخدام الطاقة المتجددة.
شريان حياة أمريكا وهى القوة العظمى، يعتمد في المقام الأول على البترول وعلى الغاز الطبيعى، وهذا يدفع أمريكا وهى حاليا تعتبر القوة الأوحد المسيطرة على العالم، إلى أن تعتبر أن ثروات كوكب الأرض ملك لها، ولابد وأن تكون ثروات العالم تحت سيطرتها إما من خلال الاستحواذ على هذه الثروات وإما من خلال سيطرة شركاتها أو الشركات التابعة لها في إدارة هذه الثروات أو سيطرة أمريكا على الدول التي تمتلك هذه الثروات. والحروب على الطاقة هي أهم ما يميز عصرنا الحالي، وسوف تستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
في سنوات قليلة ونتيجة لاستخدام التكنولوجيات الحديثة "التكسير الهيدروليكى"، في استخراج الغاز الطبيعى والنفط. أصبحت أمريكا تعيش ثورة غير مسبوقة في مجال الطاقة، فهناك وفرة مفاجئة في مواردها من الطاقة، وخاصة الغاز الطبيعي، وكذلك النفط والطاقة المتجددة، حيث يقع الغاز الطبيعي في قلب هذه الثورة. والغاز الطبيعي يعتبر أنظف وقود تقليدي (أحفورى)، حيث ينتج مستويات أقل من انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بالفحم والنفط. واستخدام الغاز الطبيعى ساعد على تحقيق تخفيضات كبيرة في انبعاثات الكربون المرتبطة بالطاقة. فكان الغاز الطبيعي هو السبب الرئيسي في تخفيض انبعاثات الكربون في أمريكا بنسبة 14% منذ عام 2005.
بلغ إنتاج أمريكا من الغاز الطبيعي 101.3 مليار قدم مكعب في اليوم في عام 2018 (أكبر منتج للغاز في العالم). ثورة أمريكا في الطاقة أعطت لها دفعة اقتصادية قوية. فعلى سبيل المثال، فقد وفرت صناعة الغاز الطبيعي والنفط 10.3 مليون وظيفة، وكذلك وفرت 0.5 مليون وظيفة في الصناعات المرتبطة بها مثل الكهرباء وإنتاج الصلب والنقل. ونتيجة انخفاض سعر الغاز الطبيعى ووفرته (بالمقارنة: كان الغاز الطبيعي في أوروبا وآسيا أكثر تكلفة بثلاثة أضعاف من مثيله في أمريكا على مدى السنوات الخمس الماضية)، فقد أدى إلى انخفاض أسعار العديد من السلع والخدمات، بما في ذلك الوقود والأسمدة والكهرباء وصناعة الصلب والمواد الأولية وغيرها من السلع الصناعية، مما جعلهم أكثر قدرة على المنافسة دولياً.
أصبح الغاز الطبيعى من أهم مصادر الطاقة في أمريكا، ونسب استهلاك الغاز الطبيعى في القطاعات المختلفة هي كالآتى: 34% في توليد الكهرباء، 29% في الصناعة، 16% في الإسكان، 12% في الأعمال التجارية، 9% أخرى. وبخلاف الميزة التي يتمتع بها الغاز الطبيعى، وهى أنه يعتبر أنظف وقود تقليدي (أحفورى)، إلا أن هناك ميزة أخرى لمحطات الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعى. فمحطات توليد الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعى يمكنها التكامل مع محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالطاقة المتجددة، والتي تسعى دول العالم وخاصة أمريكا في التوسع في استخدامها. فهى ستساعد في حل المشكلة التى تواجه مصادر الطاقة المتجددة وخاصة "الطاقة الشمسية وطاقة الرياح". فالمحطات التي تعمل بالغاز الطبيعى تستطيع أن تعمل وبسرعة لتعويض الشبكة بإمدادات من الطاقة تتناسب مع ما فقدته من إمدادات طاقة من مجمعات توليد الكهرباء من طاقة الرياح عندما يظل الهواء ثابتاً أو من مجمعات توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية عندما تغرب الشمس، أو تمنع الغيوم أشعتها.
وعلى الجانب الآخر، فقد ساهمت الطاقة النووية بشكل موثوق واقتصادي بنحو 20٪ من توليد الكهرباء في الولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين. وهى أكبر مساهم منفرد (أكثر من 50%) في توليد الطاقة الكهربائية التي لا تنبعث منها غازات دفيئة في أمريكا. الحقيقة: أن الطاقة النووية آمنة أو أكثر أماناً من أي شكل آخر من أشكال الطاقة المتاحة. لم يصب أي فرد من الجمهور أو يُقتل في تاريخ الطاقة النووية التجارية في أمريكا طوال 50 عاماً. كما أظهرت الدراسات الحديثة أن العمل في محطة طاقة نووية أكثر أماناً من العمل المكتبى.
تقوم محطات الطاقة النووية بتوليد الكهرباء على مدار الـ 24 ساعة وطوال أيام الأسبوع، بغض النظر عن الطقس والفصول. الطاقة النووية لا ينتج عنها غازات دفيئة ضارة، وهى أقل تأثيراً على البيئة - بما في ذلك الهواء والأرض والمياه والحياة البرية – مقارنة بأي مصدر للطاقة، فهى تساعد على تقليل تلوث الهواء، وهو المسؤول عن وفاة 6.5 مليون شخص على مستوى العالم كل عام. كما أن نفاياتها يتم عزلها عن البيئة، وهى لا تحتاج مساحة من الأرض كبيرة، حيث تحتاج مساحة من الأرض أقل لإنتاج نفس الكمية من الكهرباء من المصادر الأخرى.
وتتمثل الفوائد الرئيسية للطاقة النووية في أنها أكثر كفاءة من حرق الوقود الأحفوري، حيث أن كمية الطاقة المنبعثة من اليورانيوم لكل جرام أكبر بكثير من استهلاك الوقود مثل النفط أو الفحم، فهى تقترب من 8000 مرة أكثر كفاءة.
غالباً ما تواجه المحطات النووية معارضة من دعاة حماية البيئة، وكذلك من ممثلي الصناعات المتنافسة مثل الغاز الطبيعي. ومنذ فترة وجيزة، بدأ لوبى الغاز الطبيعى الأمريكي يلعب على الوتر الحساس، والمتمثل في وفرة الغاز الطبيعى وسعره المنخفض، وخاصة في الولايات التي لا تهتم بموضوع تغيير المناخ والغازات الدفيئة. ومن ثمّ، فالمحطات النووية الأمريكية سوف تبدأ في الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة.
الجميع يعرف "ثري مايل آيلاند" في ولاية بنسلفانيا، فهى جزيرة مشهورة بوقوع أسوأ حادث محطة طاقة نووية في تاريخ أمريكا في 28 مارس 1979، في فترة حكم الرئيس جيمى كارتر. والآن يمر على هذه الحادثة أربعون عاماً. محطة ثري مايل آيلاند النووية تضم وحدتين نوويتين، الوحدة الأولى TMI-1)) لازالت تعمل حتى الآن، والوحدة الثانية (TMI-2) هي صاحبة الحادثة الشهيرة.
بسبب الصعوبات المالية والمتمثلة فى توقف الدعم من السلطة التشريعية فى ولاية بنسلفانيا، فقد تقرر أن يصبح موقع "ثرى مايل آيلاند" متوقفاً عن توليد الكهرباء من محطات الطاقة النووية بحلول 30 سبتمبر 2019، وذلك بعد أن تقرر غلق الوحدة النووية الأولى لتوليد الكهرباء (819 ميجاوات)، والتى بدأ تشغيلها فى عام 1974.
الوحدة النووية الثانية (TMI-2) في موقع "ثرى مايل آيلاند"، توقفت عن العمل نهائياً فى 28 مارس 1979، بعد أن عانت من انهيار قلب المفاعل، بسبب عدد من عيوب فى التصميم، وسوء التصرف من قبل المشغلين لمواجهة الحادثة، فقد قام المشغلون بارتكاب سلسلة من الأخطاء أدت إلى سلسلة من الأعطال، والتي أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة فى قلب المفاعل، نتيجة فقدان مياه تبريد قلب المفاعل، وذلك بسبب عطل أصاب صمام تخفيف الضغط (حيث استمر مفتوحاً ولم يغلق)، ونتج عن الحادث تسرب كميات قليلة من الغازات المشعة ونظائر اليود في الغلاف الجوي.
اعتبرت الآثار الصحية الناجمة عن إطلاق الغازات المشعة غير ذات دلالة إحصائية. وعلى الرغم من عدم وجود وفيات أو إصابات من الحادث، فقد كان للحادث آثاراً سياسية بعيدة المدى حيث انهار الدعم للطاقة النووية في الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية الأخرى.
منذ وقوع الحادثة فى عام 1979، كانت هناك جهود لتنظيف وتطهير الوحدة من التلوث بالمواد المشعة، واستمرت هذه الجهود لمدة 14 سنة، وتكلفت مليار دولار، واستلزم إزالة الوقود المشع والماء بالإضافة إلى تغليف المفاعل بالخرسانة. كما شهدت عملية التنظيف أيضاً بعض الجهود الأولى لتطوير الروبوتات التي يمكن استخدامها في أعقاب الكوارث النووية. إزالة الوحدة لم يبدأ بعد، ومن المقرر أن يبدأ العمل فى إزالتها بعد مرور 50 سنة من وقوع الحادثة، حتى تهدأ.
أما بالنسبة للوحدة الأولى TMI-1))، فقد استطاع لوبى الغاز الطبيعى فى ولاية بنسلفانيا تدمير الجهود الرامية إلى "طاقة خالية من الكربون"، حيث استطاع التأثير على متخذى القرار فى الولاية، وتم منع تقديم دعم مقداره 500 مليون دولار لتشغيل الوحدة الأولى وحتى تظل مفتوحة لإنتاج الطاقة النظيفة، حيث أنها كانت المحطة النووية الوحيدة "المضطربة مالياً" في الولاية، وهى المحطة الوحيدة التى تعاني من ضائقة مالية شديدة، ويعمل بها حوالي 700 شخص.
الطاقة الخالية من الكربون، حجة قوية يأخذ بها فى ولايات أخرى مثل : نيويورك ونيوجيرسي وإلينوي وكونيتيكت.
إغلاق سابق لأوانه:: الوحدة TMI-1)) فى تصميمها الأساسى كان مقرراً لها العمل لمدة 40 سنة، لكن بعد انتهاء هذه الفترة، وجد أنها بحالة جيدة جدا، وتستطيع العمل لفترة أخرى، وبناء على ذلك فقد تم تجديد رخصة تشغيلها لمدة 20 سنة إضافية تنتهى ببلوغها سن الستين. لكن بهذا القرار، فسوف يتم إحالة الوحدة TMI-1))، إلى التقاعد بعد فترة عمل استمرت حوالى 45 عاماً فقط، وهى تستطيع العمل لمدة 15 سنة أخرى. لكنها لا تستطيع منافسة الغاز الطبيعي بسبب أسعاره المنخفضة.
ووفقاً لما نشر عن الشركة المالكة:: "إن إحالة الوحدة TMI-1))، إلى التقاعد يتطلب حوالي 1.2 مليار دولار. وإن جهود وقف التشغيل الجديدة ستستغرق وقتاً طويلاً وتخلق عدداً هائلاً من النفايات المشعة للتعامل معها". وأضافت الشركة :: "بعد إغلاق الوحدة، سيتم نقل الوقود - المادة المشعة التي تولد حرارة داخل المفاعل النووي - إلى حوض ماء. وبعد ذلك بسنوات قليلة، سيتم نقل الوقود إلى التخزين الجاف فى براميل جافة، حيث يمكن أن يمكث إلى أجل غير مسمى أو حتى تتولى الحكومة الفيدرالية عملية التخزين الدائم. وسيتم منح الوحدة نفسها مدة زمنية طويلة حتى تهدأ، وحتى يصبح من الآمن تفكيكها وإزالة المباني. والشركة تقدّر أن خطة التفكيك وإزالة المكونات الكبيرة لن تبدأ قبل عام 2074".
أخيرا نقول:: إذا تم استبدال الطاقة النووية بالغاز الطبيعي، فقل وداعاً للمحافظة على المناخ.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.