حسين أبوعامر يكتب:_«الشبكة الكهربائية في مصر»
*الشبكة الكهربية في مصر:*
*_
تحية لأبطال الكهرباء المصريين الأصلاء_*
بقلم مهندس حسين أحمد حسين أبوعامر
محطة كهرباء أسيوط الوليدية
__________
تجاوز حمل الشبكة ٣٥ جيجاوات هذا الصيف.. ونحمد الله أن انتهي شهر الصيف وانخفضت درجات الحرارة وستبدأ الأحمال في الانخفاض ، ورغم أن أقصي حمل ٣٥ ألف ميجا يمثل أكثر قليلاً من نصف قدرة الشبكة ولكن لا شك أن رجال محطات توليد الكهرباء في مصر يستحقون الإشادة وتقديم أوسمة البطولة والتقدير والاحترام علي مابذلوه هذا الصيف من جهد جهيد لإنتاج الطاقة الكهربية في ظروف غاية في الصعوبة مع عوامل خارجية لا دخل للمحطات بها كالوقود مثلاً. فالتحية واجبة لأسود محطات توليد الكهرباء الأبطال ، ونأتي للعيون الساهرة والأيدي الجريئة الدقيقة في عملها.. زملاء الكفاح وشركاء النجاح مع فرسان التوليد ... رجال التحكم القومي في الطاقة.. الذين كانوا يواصلون الليل بالنهار للحفاظ على شبكة مستقرة آمنة.. قد يتساءل أحدنا ما الصعوبة أن تتحكم في شبكة لا يتجاوز حملها نصف القدرة المركبة ؟
هناك طبعاً صعوبة تدل علي المقدرة.. فالتحكم في شبكة مثل شبكة مصر حين يتجاوز الحمل ٣٥ جيجاوات ليس فعلا بالشيء الهين ، أولا لأن توافر التوليد لا يمثل إلا جزءا واحدا من عدة أجزاء تضمن استقرار الشبكة ، وهو بالطبع جزء مهم وضروري وأساسي لكنه ليس الوحيد، وكلنا يتذكر ما كان يحدث قبل 2015 حين كان التوليد يكاد يتساوى مع الحمل ، ورغم ذلك كان الانقطاع سمة عامة في كثير من المناطق ولذا وقتها ظهر اهمية حجم التوليد فى التحكم واستقرار الشبكة،
لكن ، وكما قلت ، ليس بالضرورة لأن التوليد أصبح متوافرا أن يصبح التحكم في المنظومة شيئا سهلا. لماذا؟
أولا لأن لديك - بالإضافة إلى منظومة التوليد المطلوب التحكم فيها -لديك أيضا منظومة شبكة النقل التي ستمر خلالها هذه القدرة الضخمة، وهذه الشبكة تتأثر بالارتفاع الكبير في درجة الحرارة الناتج عن حرارة الجو من ناحية ، والناتج عن ارتفاع قيمة التيار المار من ناحية أخرى
وكما يؤكد الاستاذ الدكتور محمود جيلاني استاذ الهندسة الكهربية أن أحد العناصر المؤثرة على استقرار هذه الخطوط هو التحمل الحرارى لها thermal capability ، فمن الوارد جدا خروج بعض الخطوط في هذا الجو (تجاوزت الحرارة 50 درجة في الشمس) ، بسبب الانهيار الحرارى، الذى اتوقع بشدة ان يكون تسبب فعلا فى خروج بعض الخطوط لكن بسبب قوة الشبكة لم نشعر نحن كمستهلكين بشيء
والتحميل العالي يؤدى لخروج بعض الخطوط لاسيما الخطوط الطويلة تحديدا ، لأن القدرة المنقولة بهذه الخطوط تقل مع زيادة طول الخط طبقا لمبدأ الــ Surge impedance loading, SIL ، وهنا يكون الدور الخفى لرجال التحكم القومي في معالجة خروج مثل هذه الخطوط دون أن يشعر أحد ، ودون أن يؤثر خروجها على استقرار الشبكة عموما ، وهذا دور -كما ترى- لا علاقة له أيضا بتوافر التوليد.
ومن الممكن أن تتسبب الحرارة في ارتفاع قيم الــ Sag للخطوط أيضا وهذه مشكلة أخرى من الممكن أيضا أن تتسبب في خروج بعض الخطوط إذا لم يكن هذا الأمر مأخوذا في الاعتبار عند هذه الدرجة.
وارتفاع درجة الحرارة لا يؤثر فقط على التحمل الحرارى للموصلات وإنما يؤثر أيضا على مقاومة الموصلات ، حيث تزداد المقاومة النوعية للموصلات بازدياد درجات الحرارة ، وبالتالي يزداد الهبوط في الجهد على الخطوط ،وهنا يظهر دور آخر لرجال التحكم للحفاظ على استقرار جهد الشبكة بدخول وخروج shunt reactors الموجودة في بعض الأماكن
والأخطر من كل ما سبق هو ارتفاع قيمة الــ reactive power المسحوبة بالشبكة بسبب أجهزة التكييف والمحركات عموما ، وهذه تتسبب في انخفاض كبير للجهد ، ولا يصلح معها الــ shunt Reactors /Capacitors العادية، وربما يلجأ التحكم في هذه الحالات إلى تشغيل بعض المولدات كمصادر لتوليد الــ reactive power ، من أجل الحفاظ على استقرار الجهد. وهذا أيضا دور خفى للتحكم القومى.
ويمكن أن نضيف لما سبق وجود التغيرات الديناميكية السريعة جدا في قيمة حمل الشبكة والتي قد تصل الي اكثر من 3 جيجا وات فى خلال نصف ساعة ( وقت الذروة قرب المغرب) وتزامن دخول هذه الاحمال مع خروج التوليد الشمسي ساعة الغروب ، مما يتطلب دخول قدرات توليد اخري بنفس معدل دخول الاحمال وخروج التوليد الشمسي للمحافظة على اتزان الشبكة.
ويمكن ان نضيف كذلك مشكلة تبريد المحولات ففى الحر الشديد لا يكون من سبيل لضمان بقاء المحول فى الحدود الحرارية الامنة سوى بخفض تحميله وهذا يعنى اعادة توزيع احماله على محولات اخرى علما بانه لا يمكن فصل او تشغيل اى عنصر بشبكة ٢٢٠/٥٠٠ الا باذن مسبق من التحكم وهذا كله من ادوار التحكم التى لا تشعر بها
علما بأن التحكم لا يشمل فقط التحكم القومي ، فلدينا مستويات مختلفة للتحكم ، فمسئولي التحكم مثلا في شبكات الجهد المتوسط يعانون في هذا الجو الحار من مشاكل أكثر تعقيدا مما يعانى رجال التحكم القومي ، بسبب تقادم شبكة توزيع الجهد المتوسط وتزايد التحميل عليها بسبب المكيفات ومن ثم ازدياد معدلات الأعطال بها لاسيما في الريف والصعيد
ففي كثير من الأماكن لاتزال نفس الشبكة التي كانت تغذى البيوت أيام كان الحمل لا يتجاوز عدة لمبات بالبيت أصبحت هذه الشبكات تغذى نفس البيوت بعد أن أصبح بها أجهزة المكيفات المهلكة للطاقة ، ورجال التحكم في هذه الشبكات يقومون بعمل المناورات اللازمة لتقليل الأحمال على الكابلات التي يتجاوز حملها الحد المسموح ، من أجل تجنب الأعطال قدر المستطاع ، وهى مناورات تتم يدويا في بعض الأماكن ، وتتم آليا في أماكن أخرى إذا توافرت منظومات الــ SCADA التي تظهر النقاط الخطرة بالشبكة.
ومن هنا ، فإذا ظن البعض أن مجرد توافر التوليد يجعل التحكم بالشبكة واستقرارها شيئا يسيرا ، فهذا ظن خاطئ ، وبالتالي فتحية واجبة لرجال التحكم والتشغيل الموجودين في كل المستويات !!