بعد حديث الرئيس السيسي عنه.. ما قصة خزان صافر الذي يهدد بيئة البحر الأحمر؟ (تقرير)
قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال المؤتمر الصحفي المنعقد بقصر الاتحادية مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي بالجمهورية اليمنية، أمس السبت، إن المباحثات تناولت أزمة خزان صافر وضرورة تضافر الجهود الدولية لحل هذه الأزمة بأسرع وقت ممكن، فما هي قصة خزان صافر؟
ما هو صافر؟
صافر هو خزان نفطي عائم شبه ثابت في المياه اليمنية العميقة بالقرب من ميناء الحديدة، ومحطة تصدير للنفط، بدأ كناقلة نفط عملاقة بعد الانتهاء من تصنيعها في اليابان عام ١۹٧٦ من قبل شركة هيتاشي زوسين تحت اسم إسو اليابان، اشتُريت لصالح اليمن عام ١۹۸٦ وأرسلت إلى كوريا الجنوبية لتحويلها إلى خزان عائم بهدف تصدير النفط الآتي من مأرب، وكان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح قد أعلن في نهاية ١۹۸٤ اكتشاف حقلي نفط في منطقة مأرب، وأنه سيتم التصدير خلال عامين.
وكانت شركة هنت أويل الأمريكية التي تتّخذ من دالاس فى تكساس، مقراً لها، هي التي اكتشفت النفط في المنطقة، حيث أعلنت الاكتشاف الأول في صيف ١۹۸٤.
الأهمية الاقتصادية:
يعود سبب الحاجة إلى صافر إلى ضحالة الشواطئ اليمنية في البحر الأحمر التي لا يمكن لناقلات النفط المجيء إليها، فكان الحل ببناء منصة عائمة من باخرة ضخمة وتركيزها وسط البحر في المياه العميقة ووصلها بالميناء بأنبوب نفط. أما النفط، فيأتي عبر أنبوب مأرب رأس عيسى، الذي يجلب النفط إلى المنطقة.
أما سبب التسمية صافر، فيعود إلى اسم الشركة المالكة شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج، وهي مملوكة من شركة النفط والغاز اليمنية الحكومية، وصافر هي أكبر شركة منتجة للغاز في اليمن تاريخياً، وثاني أكبر شركة منتجة للنفط، وقد يكون سبب التسمية هو اسم الحقل في المربع ١۸ من المنطقة.
كيف بدأت القصة؟
منذ بداية الحرب الأهلية اليمنية، سيطر الحوثيون على ناقلة صافر التي تحتوي على نحو 1.14 مليون برميل من النفط تقريباً، وفي السنوات الأخيرة تدهورت حالتها الهيكلية بشكل كبير وتسربت المياه في أواخر ٢٠٢٠ إلى غرفة محرك الناقلة، وبناءً على أحدث التقارير هناك مخاوف من أن الناقلة المتهالكة قد تنفجر وتتسبب بدمار هائل، وانسكاب نفطي في البحر الأحمر.
ما مشكلات صافر؟ ولماذا هذا الاهتمام العالمي؟
بعد اندلاع الحرب في اليمن، سيطرت ميليشيا الحوثي على خزان صافر عام ٢٠١٥، ومنذ ذلك الحين عرقل الحوثيون مرات عدة اتفاقات تتيح للفريق الفني لمنظمة الأمم المتحدة تقييم وصيانة الناقلة النفطية، وذلك لأنهم يريدون استغلال هذا الملف كورقة ضغط في عمليات التفاوض على إنهاء الحرب في اليمن، وللمساومة وابتزاز المجتمع الدولي كورقة ضغط وابتزاز، في حين وافقت الحكومة اليمنية على تفريغ الناقلة وتحويل عائدات شحنة النفط المقدرة بمبلغ تراوح بين ٥٠ و ۸٠ مليون دولار لمصلحة مرتبات الموظفين.
صافر عبارة عن منصة تخزين وتصدير للنفط، كناقلة نفط ضخمة، تحتوي على ٣٤ خزاناً وبقدرة استيعابية ضخمة قد تصل إلى ٣ ملايين برميل.
صافر هو خزان نفطي عائم قديم الصنع ذات جوف واحد وكل حاملات النفط الحديثة تم تصميمها بجوفين، بمعنى أن هناك فراغاً بين جدار السفينة وجدار الخزانات داخل السفينة مما يعمل على منع تسرب النفط عند ارتطام السفينة بشيء ما، وسيعمل وجود صافر في المياه المالحة لسنوات تعدت الخمس سنوات من دون أي صيانة على تآكل حديده بسرعة، مما قد يسبب انسياباً نفطياً كبيراً نتائجه كارثية على المنطقة، وهناك العديد من المشاكل المزمع حدوثها أحلاهما مر، إما انسياب النفط، أو انفجار هائل وشيك، أو كلاهما، وهذا يعني حدوث كارثة بيئية في المنطقة ستلحق بالبحر الأحمر وكائناته وشعابه المرجانية لعقود طويلة، وكارثة عالمية لأنه قد يؤدي إلى تباطؤ حركة السفن لقرب مكان الخزان من باب المندب، وكارثة اقتصادية للدول المجاورة، حيث يؤدى إلى وقف أو إبطاء حركة موانئها، وكارثة إنسانية إذا أثر في محطات التحلية للمياه في المنطقة.
الانفجار من السهل حدوثه نتيجة أكسدة المواد المتطايرة من النفط، ومن المعلوم أن النفط ذاته غير نشط كيماوياً، ولكن إمكانية تطاير بعض المواد من السطح وتأكسدها من الممكن أن يؤدى إلى تولد حرارة ومواد سريعة الاشتعال، فأي احتكاك معدني بسبب حركة الأمواج أو الرياح، أو حدوث ارتطام أي جسم به، أو حتى البرق، يمكن أن تسبب الانفجار والاشتعال.
الانفجار والحريق سيؤديان إلى تسرب في كل الحالات، وستكون الأضرار كارثية إلّا أن الحريق سيسبب مشكلات أخرى، لأن كمية النفط ضخمة نسبياً، وسُحب الدخان الكثيف مضرة بيئياً وصحياً.
وقد يقول البعض إن حدوث عمليات الأكسدة أمر طبيعي، فهو يحصل في كل ناقلات النفط في العالم، فلماذا التركيز على صافر؟
نعم هي عملية متعارف عليها وتحدث في كل مكان، لذلك يتم ضخ غازات غير نشطة لطرد الأوكسجين وتخفيض كميته، مما يمنع حدوث المشكلة، ولكن الخطورة تكمن في أن هذه العمليات لم يقم بها أحد منذ عام ٢٠١٥، فمن المتوقع أن تكون الحرارة عالية، مع وجود كميات ضخمة من المواد سريعة الاشتعال. فمن هنا، أصبح التدخل الأممي أمرا في غاية الأهمية، مما يتطلب تدخل الخبراء والفنيين لضخ كميات مناسبة من الغازات غير النشطة كيماوياً والعمل على طرد الأوكسجين، من دون أن تسبب هذه العمليات ذاتها كارثة أثناء عملية محاولة الإنقاذ، مما يعنى أن عمليات الإنقاذ ذاتها خطرة جداً، وأي احتكاك معدني أو حتى تشغيل هاتف على متن صافر قد يؤديان إلى إمكانية حدوث الانفجار حتى فكرة نقل "صافر" إلى مكان بعيد غير واردة، لأن نقله بحد ذاته قد يسبب تسرباً أو انفجاراً.
الأمم المتحدة: الحل يحتاج 144 مليون دولار
قالت الأمم المتحدة إنها تحتاج نحو 144 مليون دولار لحل أزمة خزان النفط صافر، والذي ينذر بخطر تسرب 1.1 مليون برميل من النفط الخام قبالة ساحل اليمن.
وقال مكتب الممثل المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن ديفيد غريسلي، في بيان: "هناك حاجة ماسة لنحو 144 مليون دولار لحل الأزمة، منها 80 مليون دولار بشكل عاجل لتنفيذ العملية الطارئة للقضاء على التهديد المباشر ونقل النفط من على صافر إلى سفينة مؤقتة آمنة خلال فصل الصيف".
وكانت الأمم المتحدة قالت، إنها ستنظم مؤتمرا دوليا لجمع التبرعات لمواجهة تهديد خزان صافر النفطي غرب اليمن.
جاء ذلك في تغريدة مقتضبة نشرها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ديفيد غريسلي بصفحته على موقع "تويتر".
وقال غريسلي: "بمناسبة يوم الأرض (22 أبريل من كل عام)، تعمل الأمم المتحدة في اليمن على المساعدة في منع وقوع كارثة بيئية وإنسانية متمركزة قبالة ساحل البحر الأحمر اليمني".
وأعلنت الأمم المتحدة في وقت سابق، عن حاجتها لجمع 80 مليون دولار خلال مؤتمر للمانحين في مايو المقبل، لتمويل خطة إنقاذ الخزان النفطي التي تشمل استئجار سفينة كبيرة لنقل مخزون الناقلة، والذي يزيد عن مليون برميل من النفط الخام، إضافة إلى تكاليف أعمال الصيانة التي ستستمر لمدة 18 شهرًا.
أضرار تسرب النفط من صافر
وُصِفَ الوضع في الأراضي اليمنية على أنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من ٢٠ مليون شخص، أي ما يعادل ۸٠ في المئة من عدد السكان تقريبًا، إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، ومن بينهم أكثر من ١١ مليون طفل، وقد يؤدي أي ثقب في هيكل صافر في تسرب نفطي أضخم بأربعة أضعاف من ذلك الذي تسببت به سفينة إيكسون فالديز في ألاسكا في عام ١۹۸۹. ومن شأن ذلك أن يحدث كارثة إيكولوجية وأن يفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمنى، إذ سيمنع الوصول إلى ميناء الحديدة وميناء الصليف الأساسيين والضروريين لوصول المساعدات الصحية والأغذية وغيرها من الإمدادات. على الجانب الآخر، يواصل الحوثيون تهديد البيئة وسبل معيشة الناس كوسيلة لتحقيق ما يريدون، فمن مصلحة الجميع، خاصة الشعب اليمني الذي يتحمل المعاناة، العمل على جعل هذه الناقلة آمنة على الفور، لكن ميليشيا الحوثي لا تزال ترفض النداءات الدولية، حيث قبلت الأمر وتدخل الخبراء لصيانة صافر، لكنها تراوغ في هذه المسألة، لتحقيق أهداف خفية، وقذفت بملف خزان النفط العائم خلف ظهرها وتركته طي النسيان عن عمد، متجاهلة كافة النداءات في هذا الاتجاه، من بينها ما طرحته هولندا مؤخراً لإيجاد حل للأزمة التي تهدد اليمن والمنطقة.
نقلا عن مجلة السياسة الدولية بقلم د. أحمد سلطان