عبدالحفيظ عمار يكتب: الأقدار وشريط السينما
الأقدار مكتوبة، والأنصبة مقسومة، وسيناريو حياة كل منا مرسوم منذ الأزل، رُفعت الأقلام وجُفت الصحف..
لكن من الحكمة الإلهية أن هذه الأقدار محجوبة، وإلا ظلت الفتاة تتجرع مرارة الثكل الذى يحدث فى أرذل عمرها، ولسلك كلٌ منا طريقه رفيقًا للحسرة، لعلمه أن ما سيتكبده فى هذا الطريق من ألم ومشقة سيذهب هباءً منثورًا.
ما أخطأك ما كان ليصيبك، وما أصابك ما كان ليخطئك..
لكن لو وضعت أقدارنا على شريط سينما، وأتيح لنا أن نرى ما فيها من جميع الزوايا، فنرى كل لحظة أو حدث فارق فى حياتنا من جميع الكادرات،
تُرى ماذا كنا سنقول تعليقًا عليها؟!
هل مثلاً ستقول ملهوفًا لنفسك: انظر خلفك؛ فحبيبتك نظرت خلفها لحظة الفراق، بينما أنت شائح بوجهك، وعندما التفت خلفك كانت هي نظرت أمامها، واعتقد كل منكما أن الآخر هانت عليه الحكاية..
لكن لو رأيتها، هل كنت ستتزوج من اختارتها أمك، تلك التى قبلتها على مضض بعدما قُتل الشغف فى قلبك، ونال منك اليأس؟!
وماذا ستفعل تلك الأم الثكلى عندما يتكرر مشهد فقدها؟!
هذه هى الحياة، كل ما فيها إما منحة أو عقوبة.. ما لك، ستناله، فلا يصح أن نندم على أمل فُقدَ أو لحظة انفلتت من بين أصابعنا، أو علاقة استحكم غباء طرفها ليُجّهز عليها ويئدها فى المهد، ثم يعود باكيًا على الذهب المفقود.
لكن هكذا جُبلنا.. متسلطين على أنفسنا، نهوى جلد الذات، على كلمة أو لحظة أو موقف انفلت، بل إننا قد نلتمس عذرًا لغيرنا، ونجلد أنفسنا بلا رحمة حد الانتقام.
لكن هل فعلًا نحن مؤمنون بوجوب عدمية الندم على ما فات؟
أعتقد، بل أجزم بالنفى.
فكل منا يندم ألف مرة على شيء لم يُدركه، بينما قد يكون فيه هلكته، والمبرر المنطقى الوحيد لذلك أن الإنسان جهول، وهو ما ساقه الله سبحانه وتعالى لنا فى قصة الخضر وموسى، فخرْق السفينة، وقتلْ الغلام، كانا قمة الرحمة باطنًا، لكنهما كانا جحودًا وإجرامًا فى الظاهر.
أرجوكم كفاكم ندمًا على ما فات، آه لوكنت فعلت كذا أو كذا..
فما فعل الله كله خير، وما صُددت عنه يقودك لما أنت فيه..
ما أصابك ما كان ليخطئك، لا تيأس؛ قد تكون نهاية أزمتك حانت، وستؤنب نفسك على سوء ظنك بالله الكريم بعدما دبر لك فوق ما تتخيل وأعطاك فوق ما تتمنى.
اغمر قلبك بالرضى، واعلم أنك عبدُ لله، الذى لا تضيع ودائعه.