الدكتور محمد اليماني يكتب : الاقتصاد الاخضر وقطاع الكهرباء المصري
يُعرَّف الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة دون أن تؤدي إلى حالة من التدهور البيئي ، وهو وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، ولا يعد بديلاً لها ، وييسر تحقيق التكامل بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة وهى الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية ، انه ضرورة تطويع الاقتصاد الأخضر مع الأولويات والظروف الوطنية، ويمثل الاقتصاد الأخضر، طوق النجاة للدول لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البيئة، ومن بين تلك الدول التي تولى الاقتصاد الأخضر أهمية كبرى هي مصر، والتي تنفذ مئات المشروعات في هذا المجال. ومفهوم الاقتصاد الأخضر، هو الاقتصاد الصديق للبيئة ويقلل من نسبة الكربون ويوفر الطاقة، أو عوادم السيارات والانبعاثات الضارة، والتى لها أثر سلبى على المناخ وعلى الغلاف الجوى والمشاكل التى تحدث فى العالم من ارتفاع درجات الحرارة وتغير المناخ، ونعلم سلفا ان المصادر المسببة للإنبعاثات الكربونية الضارة تتمثل في الطاقة والنقل والزراعة والتصنيع والنفايات ، ويساهم الإقتصاد الأخضر بشكل كبير فى ترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، مع الاستفادة من الطاقة الجديدة والمتجددة ، فى شتى مناحى الحياة، ويساعد على تحقيق حياة أفضل للجميع، ويحافظ على البيئة من خلال تقليل الانبعاثات . الاقتصاد الأخضر له 6 قطاعات مختلفة منها المبانى الخضراء، والطاقة المتجددة، بكل ما فيها سواء الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، والنقل المستدام، وإدارة المياه وإدارة الأراضى وإدارة النفايات، كما أن الاقتصاد الأخضر، يعزز من الحد من الفقر والبطالة، ويهيئ بيئة نظيفة، ويمنع التلوث الجوى وآثاره السلبية على المواطنين حتى لا يزيد من تكلفة الرعاية الصحية وارتفاع تكاليف المستشفيات، كما يعزز الأمن البشرى من خلال القضاء على المشاكل المتعلقة بالخلاف على الأرض والحصول على الغذاء الملوث، ويحسن نوعية الموارد الطبيعية ويحمى الغلاف الجوى بصفة عامة ، و فى إطار توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي باستمرار دعم التحول للاقتصاد الأخضر بالاعتماد على الطاقة النظيفة والنقل المستدام ، سبق ان اعتمدت حكومة مصر خطة طويلة الأجل للطاقة المتجددة (من الشمس والرياح) وحددت هدفاً يتمثل في تلبية 20% من الاحتياجات الكهربائية من مصادر للطاقة المتجددة بحلول عام 2022 وحققته بالفعل ، وتستهدف انتاج 43% طاقة متجددة عام 2035 و حرصا على استمرار العمل على الاستثمارات المستدامة في مجال الطاقة واجراءات رفع كفاءة الطاقة ، وقد نفذت مصر العديد من مشروعات المحطات الشمسية ومحطات الرياح لتوليد الكهرباء النظيفة في سيوة وبنبان وخليج السويس والزعفرانه ، و بدأت مصر في التحول نحو الاقتصاد الأخضر تنفيذا لرؤية مصر 2030 وقامت الحكومة بتنفيذ العديد من المشروعات الخضراء للحفاظ على البيئة فى قطاع الكهرباء والطاقة والنقل والمياه والصرف الصحى والزراعة ، وكذلك اتجهنا نحو تسهيل استيراد السيارات الكهربائية بل والسعي لتصنيعها محليا، والتوسع فى محطات الغاز الطبيعى لتشجيع تحويل المركبات للعمل بالغاز بدلا من البنزين والسولار للحفاظ على البيئة. وتم اتخاذ خطوات أخرى من خلال إلزام المصنعين المحليين المستوردين بالالتزام بالمواصفات ، والتوجه نحو التصنيع الصديق للبيئة ، وسبق ان أصدرت الحكومة المصرية سندات خضراء سيادية في الأسواق العالمية بـ 750 مليون دولار أميركي لأجَل 5 سنوات، بسعر متوسط فائدة منخفضة، وتم تنفيذ مجمع بنبان للطاقة الشمسية، جنوب مصر في محافظة أسوان، باستثمارات تخطت ملياري دولار، لتوليد نحو 1465 ميجاوات، وتعمل على تنفيذ مشروع آخر يستهدف توليد الكهرباء بتكنولوجيا الضخ والتخزين في مدينة عتاقة بمحافظة السويس بتكلفة نحو 2.7 مليار دولار وقدرة إنتاجية 2400 ميجاوات ، ومحطة توليد الكهرباء من طاقة الرياح في خليج السويس وفي جبل الزيت، وتعمل حالياً على مشروع القطار الكهربائي، بتكلفة 1.2 مليار دولار، علاوة على خطَّي مونوريل العاصمة الإدارية و6 أكتوبر بـ2.7 مليار يورو ، ولقد تابعنا قمة باريس للمناخ 2015 ثم قمة جلاسكو 2021 ونترقب قمة المناخ في شرم الشيخ خلال نوفمبر 2022 وهنا نشيد بروح التعاون بين الوزارات المصرية للخروج بدورة مميزة من مؤتمر المناخ ، لعرض قصص النجاح المصرية في مجال الطاقة المتجددة والشراكة مع القطاع الخاص فيها ، وسنرى نقاشات جادة حول منتج فكرى وعملى ضخم ليكون النجاح حليفا لجهود مصر فى استضافة هذا الحدث العالمى الهام، وسيتم عرض الرؤية المصرية في قيادة العمل المناخي بما يخدم مصالح جميع الأطراف . وتكليلا للمساهمة الجادة التى كان الرئيس السيسى حريصا عليها فى مؤتمر جلاسكو ، وابراز الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في الدفع ببعض المبادرات في مجال نقل الطاقة والتوسع في النقل الكهربي، وتشجيع القطاع الخاص في الدول النامية على تمويل هذه المشروعات للمشاركة في عملية التنمية والتحول للاقتصاد الأخضر. ونعلم ان مصر قد خصصت أكثر من ٧ آلاف كم٢ لبناء مزارع الرياح والمزارع الشمسية لتولد كهرباء بما يعادل ٩٠ ألف ميجابايت، وقد نصل بحلول عام ٢٠٢٣ إلى توليد ١٠ آلاف ميجاوات من الطاقات المتجددة ، مع العمل على تحسين كفاءة استخدام الطاقة، ويعد القطاع الخاص حليف مهم في تنفيذ هذه المشروعات، كما نسعى لتحسين كفاءة عمليات توليد الطاقة والحد من الانبعاثات ، بالإضافة إلى العمل على استخدام ٣٠٠ ميجابايت من خلال توليد الطاقة من المخلفات، والتوسع في استخدام السيارات الكهربائية. ونعلم ان انتاج كهرباء واحد ميجاوات باستخدام الغاز او المازوت قد ينتج عنه حوالي 600 كيلو جرام انبعاثات كربونية ضارة ، لذلك تسعى مصر لزيادة مصادر الطاقة النظيفة وتقليل الإعتماد على الوقود الأحفوري، مما يؤدي إلى الحد من إنبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ، وخاصة بعد تشغيل المحطة النووية ، حيث أن الطاقة النووية إحدى الوسائل الرئيسية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ولتحسين كفاءة محطات توليد الكهرباء لتقليل تكلفة وحدة الطاقة الكهربائية يتم تحويل بعض وحدات محطــات الكهرباء لتعمل بنظـــام الدورة المركبة بإجمالى قدرات تصل إلى حوالى 1840 ميجاوات دون احتراق وقود ، وتعمل مصر على عدد من المحاور من أجل توسيع وتنويع مصادر الطاقة لتوفير احتياجاتها من الطاقة وفقا لما تتمتع به مصر من ثراء واضح فى مصادر الطاقات المتجددة وخاصة طاقة الرياح والشمس ، وتم مراجعة وتحديث إستراتيجية القطاع حيث تم إلغاء مشروعات الفحم وإستبدالها بمشروعات توليد كهرباء من مصادر متجددة ، وأصبح للقطاع الخاص ثقة كبيرة فى قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة المصرى حيث تقدم عدد كبير من المستثمرين من القطاع الخاص الأجنبى والمحلى للدخول فى مشروعات القطاع وعلى رأسها مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة ونظم كفاءة الطاقة، وهناك تعاون مع شركات عالمية للبدء فى المناقشات والدراسات لتنفيذ مشروعات تجريبية لانتاج الهيدروجين الاخضر في مصر كخطوة اولى نحو التوسع في هذا المجال وصولا الى امكانية التصدير ، وجاري تحديث استراتيجية الطاقة 2035 لتشمل الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة ، هذا كله بجانب اهتمام وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة بالربط الكهربائى مع دول الجوار مع كل من الأردن وليبيا والسودان بالإضافة إلى مشروعات الربط مع السعودية وقبرص واليونان ، مما يعزز التوجه لتصبح مصر مركز إقليمى لتبادل الطاقة مع أوروبا والدول العربية والأفريقية ، وقد قام قطاع الكهرباء بجهود كبيرة ومختلفة من شأنها تقليل انبعاثات ثاني اكسيد الكربون والمحافظة على البيئة ومنها: توزيع لمبات الليد بدءا من عام 2013 وحتى عام 2016 وذلك خلال شركات التوزيع التسعة ، وانشاء محطات الشمس والرياح لتوليد الكهرباء ، وانشاء المحطة النووية ، وتنفيذ مشروع الضخ والتخزين المائي لتوليد الكهرباء ، وتنفيذ حملات التوعية بترشيد استهلاك الكهرباء ، وانشاء مراكز التحكم واستخدام العدادت الذكية ومسبقة الدفع، والتعاون للتوسع في استخدام السيارات الكهربائية ، وتنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر ، والتعاون لتعزيز الصناعة المحلية لمكونات محطات الخلايا الشمسية الفوتوفولطية ومحطات الرياح ، وتصنيع لمبات الليد الموفرة محليا . وختاما نوصي بضرورة تعزيز دور القطاع الخاص بصورة أكبر في رحلة التحول الأخضر، بجانب دور شركات القطاع العامّ ، ومراجعة السياسات الحكومية وإعادة هيكلتها لتحفيز التحولات فى أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والعمل على زيادة الاستثمارات المستدامة فى مجال الطاقة واجراءات رفع كفاءتها ووضع استراتيجية متكاملة تهتم بتخفيض الكربون فى كل الصناعات المختلفة واعتماد تكنولوجيا انتاج نظيفة والتكيف مع المستجدات وفقا لأولوياتنا الوطنية، والتوجه نحو مزيد من الحماية التجارية والحواجز أمام التجارة وفرض رسوم جمركية بيئية على المنتجات الملوثة للبيئة (ضريبة كربونية) كما أنه يمكن تقديم مجموعة من الحوافز لسهولة التحول إلى الاقتصاد الأخضر تمشيا مع مبادرة حياة كريمة التى تبنتها مصر لتطوير الريف المصري. ودعم قطاع النقل المستدام (ليعمل بالكهرباء او الغاز ) والتصدى لمشكلة النفايات وإعادة تدويرها وضرورة وجود بيئة تشريعية وقانونية قوية ، بجانب العمل على بناء الوعى لدى المستهلك وتعزيز ثقافة أنماط الإنتاج والاستهلاك ، ووضع إستراتيجية وطنية للتنمية الخضراء وتحديد القطاعات والصناعات ذات الأولوية . أن اتفاقية الدولة المضيفة التي ستوقع عليها مصر ضمن اجراءات استضافتها لمؤتمر المناخ القادم، تضم في متطلباتها التحول للنقل المستدام، ومصر ستقدم رسالة هامة خلال استضافتها للمؤتمر بإطلاق "شرم الشيخ خضراء" من خلال محاور مختلفة ومنها الاعتماد على وسائل النقل الصديقة للبيئة في التنقل داخل المدينة وفعاليات المؤتمر، كأحد مكونات نموذج مصر نحو تطبيق مفهوم النقل المستدام كإحدى آليات التخفيف من آثار تغير المناخ، ومنها المبادرة الرئاسية لتحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي وتصنيع أتوبيسات النقل العام التى تعمل بالكهرباء ، وسبق ان اكد معالي وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر ، على استعداد الوزارة لتسخير كافة إمكانيتها لمنظومة النقل الاخضرالمستدام من خلال مد الكابلات الكهربائية المطلوبة للجراجات وتوفير أحمال الطاقة الكهربائية الكافية لشحن الحافلات بالجراجات والمحطات الرئيسية والعمل على وجود نقاط شحن كهربائي للحافلات في المحطات الوسطية وتوفير وحدات الدعم الكهربائي الطارئة لشحن الحافلات في المطار والجراجات والمحطات الرئيسية، وإعداد وتجهيز المخارج الكهربائية التي تتناسب مع الشحن الكهربي للحافلات. لاشك ان الاستثمارات الخضراء تشكل عاملا حيويا في سبيل التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون ، ولتحقيق تحول جذري في نظام الطاقة الحالي ينبغي زيادة الاستثمارات لتمويل التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة ، واعتماد شبكات الكهرباء الذكية، واتخاذ تدابير رفع كفاءة استهلاك الطاقة، والتحول إلى استخدام الكهرباء في قطاعات كالنقل والبناء والصناعة .
|
دكتور مهندس/ محمد سليمان اليماني
رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة
عضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين