رئيس مجلس الإدارة
عبدالحفيظ عمار
رئيس التحرير
محمد صلاح

د٠على عبد النبى يكتب :_ "النيوترونات والمحطات النووية ... علاقة حتمية"

عالم الطاقة

لك أن تتخيل أن جسيما ضئيلا جداً فى حجمه ووزنه، يتسبب فى إنتاج طاقة كهربائية ضخمة جدا. هذا الجسيم يسمى "نيوترون"، هذا النيوترون لا يحمل شحنة كهربائية، وهو موجود داخل نواة جميع ذرات العناصر، ما عدا نواة ذرة الهيدروجين، لا يوجد فيها نيوترون، ويوجد فيها بروتون واحد، وشحنة موجبة. 
بالرغم من ضخامة المحطة النووية، إلا أن تشغيلها يعتمد اعتمادا كليا على جسيم النيوترون. كتلة النيوترون بالتقريب 1.68 يوكتوجرام، أى 27-10×1.68 كيلوجرام.   
النيوترون لا يحب حياة الحرية، لو خرج من نواة الذرة وأصبح حرا، ففى خلال 15 دقيقة يتحلل تلقائيا إلى بروتون وإلكترون، البروتون شحنته موجبة، والإلكترون شحنته سالبة، يصبح مجموع شحنتهما صفرا. عدم وجود شحنة كهربائية للنيوترون أدى إلى تأخير اكتشافه، حيث اكتشف عام 1932. 
وحدة قياس الطاقة فى التفاعلات النووية، هى "إلكترون فولت". والإلكترون فولت يساوى 1.6022×10−19  جول.
ولما كانت النيوترونات غير مشحونة، يكون من الصعب التحكم فيها، وتستطع اختراق الخلايا الحية بسهولة وتدميرها، وكذلك إحداث تهتك بالشريط الوراثى داخل الخلية الحية، مما يتسبب فى حدوث أمراض وراثية تتوارثها الأجيال، كما ينتج عنها سرطانات فى أعضاء الجسم المختلفة. هناك بعض الدول، ومن بينها إسرائيل تمتلك قنابل نيوترونية. تطلق القنبلة النيوترونية عشرة أضعاف كمية الإشعاع النيوترونى الذى تطلقه القنبلة النووية الانشطارية التقليدية. النيوترونات المنبعثة من قنبلة نيوترونية طاقتها 14 مليون إلكترون فولت، وهى أعلى بكثير من طاقة النيوترونات المنبعثة من التفاعل الانشطارى للقنبلة النووية التقليدية "طاقتها من 1 إلى 2 مليون إلكترون فولت".    
بعض العناصر مشعة طبيعيا فى جميع نظائرها، مثل اليورانيوم، وهو أثقل العناصر المشعة الموجودة في الطبيعة. ويوجد 7 عناصر أخرى مشعة طبيعيا، وهى: البولونيوم والأستاتين والرادون والفرانسيوم والأكتينيوم والثوريوم والبروتكتينيوم. كما أن جميع العناصر المصنعة والأثقل من اليورانيوم مشعة أيضا، مثل البلوتونيوم.
نتيجة وجود عدم توازن فى عدد البروتونات والنيوترونات فى نواة الذرة، تصبح الذرة غير مستقرة. والذرات الغير مستقرة تطلق جسيما أو جسيمات أو طاقة بهدف الوصول لحالة الاستقرار، وهو ما يسمى بالتحلل الإشعاعى. التحلل الإشعاعى يعتمد على طبيعة عدم الاستقرار داخل نواة الذرة. 
نواة الذرة الغير مستقرة يمكن أن تطلق "جسيم ألفا" فى تحللها، وهو أساسا نواة ذرة هيليوم (عدد 2 بروتون وعدد 2 نيوترون). أو يمكن أن تطلق "جسيم بيتا" فى تحللها، وهو تيار من الإلكترونات. أو يمكن أن تطلق نواة الذرة طاقة زائدة وهى "أشعة جاما"، وهى على شكل فوتونات عالية الطاقة "إشعاع كهرومغناطيسى".
فى تحلل بيتا،هناك تحلل بيتا ناقص وبيتا زائد. فى تحلل بيتا ناقص، التحلل يتم بتحويل النيوترون إلى بروتون، وتنتج العملية إلكترون ومضاد نوترينو الإلكترون؛ بينما فى تحلل بيتا زائد، يتحول البروتون إلى نيوترون وتنتج العملية بوزيترون ونيوترينو الإلكترون. 
لإنتاج نيوترونات حرة، يجب إخراجها من نواة الذرة. والانشطار النووى هو أحد مصادر النيوترونات الحرة. ويتطلب تحرير النيوترونات من نواة الذرة، تجاوز طاقة الارتباط للنيوترون، والتى تكون عادة من 7 إلى 9 مليون إلكترون فولت لمعظم النظائر.
فى الانشطار النووى تنقسم نواة الذرات الثقيلة مثل ذرة عنصر "اليورانيوم-235" (نصف العمر 700 مليون سنة) إلى قسمين "عنصرين" تسمى نواتج الانشطار، ومثال على ذلك عنصر الـ "الروبيديوم-90" (نصف العمر 158 ثانية)، وعنصر الـ "السيزيوم-143" (نصف العمر 1.8 ثانية)، أو عنصر الـ "الكريبتون-89" (نصف العمر 3.15 دقيقة)، وعنصر الـ "الباريم-144" (نصف العمر 11.5 ثانية). وبخلاف نواتج الانشطار ينتج عن عملية الانشطار أيضا من 2 إلى 3 نيوترونات حرة سريعة، وأشعة جاما وأشعة بيتا وجسيمات ألفا، وطاقة تقدر بحوالى "215 مليون إلكترون فولت".
نصف العمر، فى النشاط الإشعاعى، هو المدة الزمنية التى تتحلل فيها نصف كمية الذرات لعينة مشعة، وتتحول تلقائيا إلى ذرات ذرات أخرى عن طريق انبعاث الجسيمات والطاقة.  
النيوترون الحر السريع، هو نيوترون يمتلك طاقة حركية من 0.1 إلى 3 مليون إلكترون فولت. أما النيوترون الحر البطىء فيمتلك طاقة حركية من 1 إلى 10 إلكترون فولت، وهو يستخدم فى الانشطار النووى لذرة اليورانيوم 235، فى قلب المفاعل النووى. ولحدوث تفاعل متسلسل نووى فى قلب المفاعل، يجب إبطاء النيوترونات السريعة بمهدىء ليقلل من طاقتها، وليزيد من احتمالية امتصاص النيوترون بواسطة ذرة اليورانيوم-235. الانشطار الواحد ينتج عنه أكثر من 200 مليون ضعف طاقة النيوترون الذى أحدث الانشطار.
مهدئ النيوترونات هو وسيط يقلل من سرعة النيوترونات السريعة الخارجة من الانشطار النووى، من الناحية المثالية يقوم بتهدئة النيوترونات دون امتصاص أى منها. 
كلما اقتربت كتلة نواة ذرة المهدئ من كتلة النيوترون، يكون التصادم بين النيوترونات ونواة ذرة المهدئ تصادما مرنا، ويؤدى إلى تباطؤ النيوترون. يستخدم الماء الخفيف "الماء العادى" فى العديد من المفاعلات لأنه يحتوى على كميات كبيرة من الهيدروجين. يعمل الهيدروجين بشكل جيد كمهدئ نيوترونى لأن كتلته تكاد تكون متطابقة مع كتلة النيوترون. هذا يعنى أن تصادما واحدا سيقلل بشكل كبير من سرعة النيوترون بسبب قوانين الحفاظ على الطاقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الماء الخفيف متوفر ورخيص. يكثر استخدام الماء "العادى أو الثقيل" والكربون "الجرافيت" فى تهدئة النيوترونات السريعة فى المفاعلات النووية. "الماء الخفيف" هو الوسيط الأكثر استخداما، حوالى 75٪ من مفاعلات العالم، والجرافيت الصلب نسبة استخدامه فى المفاعلات النووية 20٪ من المفاعلات، والماء الثقيل يستخدم فى 5٪ من المفاعلات. 
يعد الماء الخفيف وسيطا جيدا للتهدئة، لكن ذرة الهيدروجين فى جزىء الماء تمتص كمية من النيوترونات المستخدمة فى عملية الانشطار، وبذلك يقل عدد النيوترونات فى قلب المفاعل. ولذلك، وجب زيادة كمية اليورانيوم-235 فى الوقود النووى فى مفاعلات الماء الخفيف عن طريق عملية التخصيب، والتخصيب هو زيادة نسبة اليورانيوم-235 فى الوقود النووى، ما بين 2% إلى 5%، وبذلك يتم تعويض كمية النيوترونات الممتصة بواسطة ذرات الهيدروجين فى جزىء الماء.  
 أما الماء الثقيل، فلا يمتص نيوترونات، وبالتالى فهو يستخدم كمهدئ فى المفاعلات الكندية "كاندو"، والتى تستخدم اليورانيوم الغير مخصب "الطبيعى"، حيث نسبة اليورانيوم-235 فى الوقود النووى، هى 0.72%. 
اليورانيوم هو أثقل العناصر المشعة الموجودة في الطبيعة. اليورانيوم-238 يمثل حوالى 99.284٪ من كتلة اليورانيوم الطبيعى فى الطبيعة، نصف العمر 4.468 مليار سنة، نواة ذرة اليورانيوم-238، تحتوى على 92 بروتون، و146 نيوترون. اليورانيوم-235، يمثل حوالى 0.72% من كتلة اليورانيوم الطبيعى فى الطبيعة، نصف العمر 703.8 مليون سنة، نواة ذرة اليورانيوم-235، تحتوى على 92 بروتون، و143 نيوترون.
ذرة عنصر اليورانيوم-235 غير مستقرة، وتظل تشع "جسيم ألفا" لمدة 703.8 مليون سنة، وتتحول إلى عنصر الثوريوم-231، وهوعنصر غير مستقر أيضا، والثوريوم-231 يظل يشع "بيتا ناقص"، وبعد 25.52 ساعة يتحول إلى عنصر البروتكتينيوم-231، وهو عنصر غير مستقر أيضا. وللوصول لحالة الاستقرار، تستمر سلسلة التحلل، وفى نهاية المطاف يصل إلى عنصر الرصاص-207، وهو عنصر مستقر.
انشطار ذرة اليورانيوم-235، هى واحدة من أكثر الظواهر الرائعة فى الطبيعة، حيث يتم امتصاص نيوترون بطىء بواسطة نواة ذرة اليورانيوم-235، وبذلك زاد عدد النيوترونات فى نواة الذرة. هذه الذرة  فى الأصل غير مستقرة، بسبب وجود عدم توازن فى عدد البروتونات والنيوترونات فى النواة، ومع إضافة نيوترون جديد لنواة الذرة، تصبح الذرة فى حالة عدم اتزان شديد، ويحدث لها انشطار. 
حوالى 82٪ من عمليات امتصاص اليورانيوم-235 للنيوترونات الحرة البطيئة، تؤدى إلى انشطار الذرة. وحوالى 18 ٪ من عمليات امتصاص اليورانيوم-235 للنيوترونات الحرة البطيئة، تؤدى إلى إطلاق أشعة جاما، وينتج عن ذلك اليورانيوم-236. النظائر الانشطارية الأخرى التى يمكن انشطارها بواسطة النيوترونات البطيئة هى: البلوتونيوم-239، واليورانيوم-233، والثوريوم-232.
فى تشغيل المفاعل النووى، ولكى نحصل على طاقة حرارية مستمرة من الوقود النووى، هناك عناصر رئيسية تتحكم فى الانشطار النووى المستمر، وسوف نتكلم عن أربعة عناصر منها. أول هذه العناصر هو التفاعل المتسلسل، بمعنى أن يظل التفاعل النووى قائما ومستمرا، حيث يمتص نيوترون بطئ بواسطة نواة ذرة اليورانيوم-235، وتنقسم إلى قسمين، ويصاحب هذا الانقسام انطلاق عدد من النيوترونات السريعة تقدر عادة من 2-3 نيوترون. ويمكن لتلك النيوترونات السريعة الناتجة أن تصطدم بأنوية ذرة الهيدروجين فى مادة المهدئ، وتتحول إلى نيوترونات بطيئة، وتمتص بواسطة أنوية ذرات أخرى من اليورانيوم-235 ، وتنقسم إلى قسمين، وهكذا يستمر تسلسل هذا التفاعل، ويزيد معدل التفاعل زيادة تسلسلية قد يؤدى إلى الانفجار، وهو ما يحدث فى القنابل الذرية، ولكن فى المحطات النووية هذا التفاعل المتسلسل، يمكن ترويضه والتحكم فيه بواسطة قضبان التحكم.
قد يفلت نيوترون خارج من التفاعل المتسلسل من المفاعل تماما، أى يحدث له تسرب، وقد يمتص بواسطة المعادن الموجودة فى قلب المفاعل (أو بأى شىء ليس ذرة يورانيوم أخرى)، ويمكن أن يمتص بواسطة قضبان التحكم أو قد تمتصه ذرة يورانيوم أخرى، مما يتسبب فى انشطار آخر. للحفاظ على طاقة المفاعل ثابتة، نحتاج إلى أن يكون لدينا أحد هذه النيوترونات لإحداث انشطار آخر. عندما يحدث ذلك، أى "عندما يكون المفاعل فى تكوين بحيث يتسبب نيوترون واحد خارج من كل ذرة فى احداث انشطار آخر"، فى هذه الحالة يقال إن المفاعل "حرج". لذلك بالنسبة لمشغل المفاعل، فإن "الحروجية" هى ما يسعى لتحقيقها. فى حالة المفاعلات النووية ، تعنى "الحروجية" ببساطة أن المفاعل فى تكوين يسمح له بالعمل عند مستوى طاقة ثابت.
ثانى هذه العناصر هى "الكتلة الحرجة" للوقود النووى داخل قلب المفاعل. ما لم يكن لديك كتلة حرجة من اليورانيوم وكانت فى شكل هندسى حرج، فلن تتمكن من تشغيل المفاعل. لحدوث الحروجية فى قلب المفاعل النووى، يجب وجود كتلة كافية من المواد الانشطارية لدعم تفاعل تسلسلى مستمر. الكتلة الحرجة هى أصغر كتلة من المواد الانشطارية التى تدعم تفاعلا متسلسلا مستداما ذاتيا فى ظل مجموعة معينة من الظروف.
ثالث هذه العناصر هو "النيوترونات المتأخرة". ذرات "نواتج انشطار" ذرة اليورانيوم-235، لديها فائض كبير من النيوترونات، وهى تخضع لسلسلة من تحلل "بيتا" وبفترات متفاوتة للوصول إلى الاستقرار. فى بعض الأحيان، يتسبب تحلل "بيتا" فى أن تكون النواة فى حالة شديدة من الإثارة، حيث تسمح طاقة الإثارة للنواة بإخراج نيوترون واحد، يخرج النيوترون بعد وقت من الزمن "تأخير"، قد يصل من جزء من الثانية إلى عشرات الثوانى. يسمى هذا النيوترون بـ "النيوترون المتأخر" لأنه يخرج بعد خروج نيوترونات الانشطار النووى الأصلى. النيوترونات المتأخرة قليلة مقارنة بالنيوترونات الناتجة عن الانشطار النووى. فى حالة مفاعلات الماء الخفيف المضغوط PWR، فإنها تبلغ 0.7٪ من مجموع النيوترونات الكلية، وهى تدخل فى حسابات الكتلة الحرجة والحروجية. على الرغم من نسبتها الصغيرة، فإن النيوترونات المتأخرة هى سمة أساسية لتشغيل المفاعلات النووية وسلامتها. وجود هذه النيوترونات المتأخرة، يعطى الوقت الكافى للتحكم فى المفاعل من خلال تصحيح الاختلافات فى حروجية التفاعل المتسلسل، التى يجب أن تظل مساوية لواحد. النيوترونات المتأخرة أصبحت أداة مفيدة، تقدمها الطبيعة، لتشغيل والتحكم فى المفاعلات النووية.
رابع هذه العناصر هى "قضبان التحكم"، يجب أن يكون لدينا طريقة للتحكم فى التفاعل المتسلسل، من خلال التحكم فى الفيض النيوترونى، وهنا يأتى دور قضبان التحكم. قضبان التحكم مصنوعة من مادة جيدة فى امتصاص النيوترونات. عندما يتم إدخال قضبان التحكم بين قضبان الوقود، فإنها تمتص النيوترونات وتمنعها من التسبب فى احداث انشطار جديد، وعندما يتم سحب قضبان التحكم من بين الوقود النووى، يتعرض الوقود النووى للنيوترونات، ويستمر الانشطار. لذلك عندما يتم إدخال قضبان التحكم بالكامل فى القلب، يتم إغلاق المفاعل، ولكى نبدأ تشغيل مفاعل، لابد من سحب قضبان التحكم من بين الوقود النووى.
منذ عام 1954، وحتى الآن تعتمد المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء فى تشغيلها على انشطار ذرات المعادن الثقيلة، مثل اليورانيوم-235 والبلوتونيوم-239، والتى هى عماد الوقود النووى. ومن المنتظر ظهور مفاعلات تعتمد فى تشغيلها على اندماج ذرات خفيفة مثل نظائر الهيدروجين، وهى فى مراحل البحوث والتجارب حتى الآن، ومن المرجح أن تستخدم تجاريا فى توليد الكهرباء عام 2035.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 


تم نسخ الرابط
ads