د@على عبد النبى يكتب :_ الصين وتكنولوجيا المحطات النووية المتطورة
نجح الاقتصاد الصينى فى أن يصبح ثانى أكبر اقتصاد عالمى بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بفضل المعجزة الاقتصادية التى تم تحقيقها فى وقت قصير. ففى عام 2014، كان الاقتصاد الصينى أسرع اقتصاد نام فى العالم، بمعدل نمو سنوى تخطى 10%، ولكن نتيجة انتشار وباء كورونا تقلص ليبلغ حوالى 6%.
أدى اعتماد الصين على الوقود الأحفورى فى توليد الكهرباء إلى الكثير من تلوث الهواء. ويقدر البنك الدولى الخسارة الاقتصادية الناجمة عن التلوث بنحو 6٪ من الناتج المحلى الإجمالى. فمعظم كهرباء الصين يتم إنتاجها من الوقود الأحفورى، والفحم هو المصدر الرئيسى، حيث يمثل نسبة مشاركة 69٪ فى توليد الكهرباء فى عام 2019.
فى عام 2012 ، كانت الصين هى أكبر مصدر لانبعاثات الكربون فى العالم. فى أغسطس 2013، أخذ مجلس الدولة الصينى قرارا بالعمل على تخفيض انبعاثات الكربون بنسبة 40-45٪ بحلول عام 2020 من مستويات 2005. فى مارس 2014، قال رئيس الوزراء إن الحكومة قد أعلنت "الحرب على التلوث" وستسرع بإغلاق محطات الطاقة التى تعمل بالفحم. وفى نوفمبر 2014، أعلن رئيس الوزراء أن الصين تعتزم بحلول عام 2030 أن يكون حوالى 20٪ من استهلاكها الأساسى للطاقة من الوقود غير الأحفورى. وبذلك فالدافع وراءالإسراع فى الاعتماد على الطاقة النووية فى توليد الكهرباء، يرجع بشكل متزايد إلى تلوث الهواء من المحطات التى تعمل بالفحم.
حينما أتحدث عن دولة الصين فى مجال المحطات النووية، فمن المحبب لى وصفها بكلمة "المارد"، فكيف تصف دولة تقوم حاليا ببناء عدد 10 محطات نووية لإنتاج الكهرباء فى نفس الوقت، بالإضافة إلى إمتلاكها 49 محطة نووية تعمل حاليا، وتولد طاقة كهربائية مقدارها 46.518 جيجاوات، وتشارك بنسبة 4.9% فى توليد الكهرباء.
بدأ النشاط العسكرى النووى الصينى فى عام 1955، وتم إنشاء المؤسسة النووية الوطنية الصينية China National Nuclear Corporation (CNNC). وفى الستينيات أحرزت الصين تقدما ملحوظا فى تطوير أسلحة نووية. ونجحت الصين فى تفجير أول قنبلة ذرية فى 16 أكتوبر 1964، وأطلقت أول صاروخ نووى فى 25 أكتوبر 1966، وفجرت أول قنبلة هيدروجينية فى 14 يونيو 1967.
في عام 1955، تم إنشاء المؤسسة النووية الوطنية الصينية China National Nuclear Corporation (CNNC)
بدأت الصين فى التخطيط لدخول عصر الطاقة النووية السلمية لبناء محطات نووية فى 8 فبراير عام 1970، وأنشئ معهد شنغهاى للأبحاث والتصاميم الهندسية النووية Shanghai Nuclear Engineering Research and Design Institute (SNERDI). فى تطويرها لبرنامجها النووى، اتبعت الصين سياسة "إعطاء الأولوية الأولى للأمان والجودة". محطة الطاقة النووية هى مشروع كثيف المعرفة وذات تكنولوجيا متطورة، كما أنها فى احتياج لرأس مال ضخم. علاوة على ذلك، فهى لا تحتاج فقط إلى تعاون وثيق بين الأطراف المعنية فى الصين، بل تحتاج أيضا إلى تبادل مكثف للخبرات الأجنبية والتعاون الدولى.
على الرغم من أن الصين تريد تحقيق أقصى قدر من الاعتماد على الذات فى تصميم وتصنيع وتنفيذ المفاعلات النووية، إلا أنها تشجع على التعاون الدولى لنقل التكنولوجيا النووية المختلفة من الشركات العالمية وتوطينها فى بلادها. فقد اعتمدت الصين على تكنولوجيا المفاعلات النووية الفرنسية والكندية والروسية والأمريكية. وفى مجال توطين التكنولوجيات المختلفة فقد اعتمدت على أحدث التكنولوجيات من خلال المفاعلات الفرنسية M310، وأخيرا مع تكنولوجيا مفاعلات AP1000 الأمريكية، والذى جعلته الأساس لتطوير تكنولوجيا المفاعلات الصينية فى المستقبل القريب.
في 15 ديسمبر 1991، شهدت الصين أول ربط لمفاعل نووى صينى الصنع بالشبكة الكهربائية، وهو موديل CNP-300، من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، قدرته 288 ميجاوات. وكانت نسبة مشاركة الصناعات الصينية فى أول مفاعل صينى كانت 95%. المصمم هو معهد شنغهاى للأبحاث والتصاميم الهندسية النووية SNERDI. وقد ساهم فى إنشاء المحطة أكثر من 100 معهد وجامعة ومصنع. التربينة والمولد وأجزاء من الجزيرة النووية "مولدات البخار والضاغط والأجزاء الداخلية للمفاعل" تم تصنيعها فى الصين، فى شركة شنغهاى للكهرباء Shanghai Electric Corporation (SEC)، لكن وعاء الضغط تم تصنيعه فى شركة ميتسوبيشى اليابانية للصناعات الثقيلة Mitsubishi Heavy Industries (MHI).
فى 31 أغسطس 1993، شهدت الصين أول ربط لمفاعل نووى فرنسى الصنع بالشبكة الكهربائية، وهو موديل M310، من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، قدرته 930 ميجاوات كهربى. هذه المحطة تم بناؤها باستثمارات أجنبية ومعدات وتكنولوجيا مستوردة. الجزيرة النووية من شركة فراماتوم الفرنسية، والجزيرة التقليدية من شركة جنرال إلكتريك البريطانية. وتولت شركة كهرباء فرنسا EDF المسؤولية عن الخدمات الفنية الشاملة للمشروع.
اتجهت الصين إلى مفاعلات الكاندو الكندية، والتى تعمل بالماء الثقيل واليورانيوم الغير مخصب (الطبيعى). وتعاقدت مع هيئة الطاقة الذرية الكندية AECL على مفاعلين موديل CANDU-6، قدرةالمفاعل الواحد 677 ميجاوات. هذا النوع من المفاعلات يسمى "مفاعل الماء الثقيل المضغوط" PHWR. تم الربط الكهربائى الأولى للمفاعل الأول فى 19 نوفمبر عام 2002، والمفاعل الثانى كان فى 12 يونيو عام 2003.
لتحقيق أقصى قدر من الاعتماد على الذات فى تصميم وتصنيع وتنفيذ المفاعلات النووية، قامت الصين بتطوير تصميم المفاعلات النووية الفرنسية M310، والتى حصلت عليها من فرنسا، وأنتجت مفاعل جديد معظم مكوناته من الصين، وهذا المفاعل موديل CPR1000، وهو من مفاعلات الماء الخفيف المضغوط PWR من الجيل الثانى "+"، قدرته 1007 ميجاوات كهربى. وفى 15 يوليو 2010، تم ربط أولى لأول مفاعل من هذا الموديل بالشبكة الكهربائية. تم بناء وتشغيل المفاعل CPR1000 بواسطة مجموعة الطاقة النووية العامة الصينية China General Nuclear Power Group (CGNPG).
لم تتوقف الصين عند هذا الحد، ففى عام 2010، فقد أعلنت مجموعة CGNPGأنها تقوم بتطوير مفاعل جديد من الجيل الثالث وهو موديل ACPR1000، وقدرته 1021 ميجاوات، يستخدم الأجهزة الرقمية فى أنظمة التحكم، وهو تطوير للموديل CPR1000. وفى 23 مايو 2018، تم ربط أولى لأول مفاعل من هذا الموديل بالشبكة الكهربائية. هناك تدابير أمان إضافية فى هذا المفاعل، منها وجود "لاقط لقلب المفاعل" يستخدم لاحتواء وقود قلب المفاعل المنصهر، فى حالة حدوث حادثة فقد مياه تبريد الوقود النووى فى قلب المفاعل. وكذلك نجد أن وعاء الاحتواء مزدوج الحائط، للحماية من الانفجارات الداخلية والانفجارات الخارجية واصطدام القواذف الصاروخية والطائرات.
بعد حادث محطة الطاقة النووية اليابانية "فوكوشيما"، أدخلت بعض التعديلات على الموديل ACPR1000، وظهر الموديل المنقح "+ " ACPR1000، قدرته 1150 ميجاوات كهربى.
للخروج للسوق العالمى، والمنافسة على بيع المحطات النووية فى السوق العالمى، قررت مجموعة الطاقة النووية العامة الصينية CGNPG والمؤسسة النووية الوطنية الصينية CNNC فى عام 2011، تطوير مفاعل نووى صينى من الجيل الثالث، حيث قامتا بدمج تصميمات المفاعل الصينى موديل CPR-1000 والمفاعل الصينى موديل ACP1000 بشكل تدريجى، وإنتاج تصميم لمفاعل متطور جديد تحت مسمى HPR1000 (Hualong One)، قدرته 1090 ميجاوات كهربى صافى. بدأت الإنشاءات فى تنفيذ عدد 4 مفاعلات نووية فى التواريخ الآتية: 7 مايو 2015، 22 ديسمبر 2015، 24 ديسمبر 2015، 23 ديسمبر 2016.
للمزيد من الانفتاح على التكنولوجيات المتطورة المختلفة، فقد قررت الصين بناء مفاعلات نووية أمريكية من الجيل الثالث، من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، موديل AP1000، صناعة شركة وستنجهاوس الأمريكية. فى 30 يونيو 2018، تم ربط أولى لأول مفاعل من هذا الموديل بالشبكة الكهربائية، قدرة المفاعل 1157 ميجاوات كهربى.
الصين لم تكتف بحصولها على مفاعلات أمريكية موديل AP1000، لكنها قامت بتطوير هذه المفاعلات لموديل حديث من المفاعلات الصينية، وهو الموديل CAP1400، قدرة 1550 ميجاوات كهربى. بدأت أعمال التصميمات فى عام 2013، وبدأ إنشاء الوحدة الأولى فى عام 2018، ويقدر الانتهاء من تنفيذ المحطة فى عام 2021.
لتوطين تكنولوجيا المفاعلات النووية الأوروبية، تم التعاقد على مفاعلين من موديل EPR-1750، هذا المفاعل هو نتيجة ثمرة التعاون بين شركة فراماتوم Framatome الفرنسية وشركة Siemens الألمانية، بصافى قدرة 1660 ميجاوات كهربى للمفاعل الواحد. تم ربط أولى لأول مفاعل على الشبكة الكهربائية فى 29 يونيو 2018، والمفاعل الثانى كان فى 23 يونيو 2019.
فى أكتوبر 2008، أعلنت شركة "آريفا" الفرنسية Areva وشركة الصين العامة للطاقة النووية China General Nuclear Power Corporation (CGNPC)، عن إنشاء مشروع هندسى مشترك كوسيلة لنقل التكنولوجيا، بهدف تطوير مفاعلات الـ EPR والمحطات النووية الأخرى من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR والمتواجدة فى الصين وفى الخارج لاحقا. وستمتلك شركة CGNPC والشركات الصينية الأخرى 55٪ من حصة الشركة المشتركة.
تكنولوجيا المفاعلات الروسية، كان لها أيضا نصيب من التوطين، فقد تم التعاقد على مفاعلين من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR، موديلVVER1000-AES91 ، إصدار V-428، قدرة المفاعل 990 ميجاوات كهربى. تم ربط أولى لأول مفاعل على الشبكة الكهربائية فى 12 مايو 2006، والمفاعل الثانى كان فى 14 مايو 2007. كما تم التعاقد على مفاعلين من نفس الموديل، لكن إصدار V-428M، حيث تم ربط أولى لأول مفاعل على الشبكة الكهربائية فى 30 ديسمبر 2017، والمفاعل الثانى كان فى 27 أكتوبر 2018.
كما وقعت الشركة النووية الوطنية الصينية CNNC عقدا لبناء أربعة مفاعلات نووية روسية، من الجيل الثالث المتقدم، موديل VVER-1200. سيبدأ البناء فى مايو 2021 والتشغيل التجارى لجميع الوحدات من المتوقع بين أعوام 2026 و 2028.
فى مجال المفاعلات الصغيرة small modular reactor (SMR)، بدأت الصين فى عام 2010 فى تصميم مفاعل نووى موديل ACP100، قدرته الكهربائية 125 ميجاوات. تم الانتهاء من تصميمه الأولى فى عام 2014. هذا المفاعل متعدد الأغراض، مصمم لإنتاج الكهرباء أو التدفئة أو إنتاج البخار أو تحلية مياه البحر. فى عام 2016، أصبح تصميم مفاعل الـ SMR أول تصميم يجتاز مراجعة الأمان من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. من المتوقع أن يبدأ تشغيل أول وحدة بحلول عام 2025.
للصين السبق فى أول مفاعل من مفاعلات الجيل الرابع على مستوى العالم، وهو مفاعل موديل HTR-PM، من المفاعلات التى تبرد بالغاز وتعمل عند درجات حرارة عالية High-temperature gas-cooled reactor (HTGR)، سيتم توصيل مفاعلين بتوربين بخارى واحد لتوليد 210 ميجاوات من الكهرباء. بدأ العمل فى أول محطة لتوليد الطاقة HTR-PM، وهى تتألف من مفاعلين يقودان توربين بخارى واحد، فى 9 ديسمبر 2012. ومن المقرر أن تنتهى اختبارات الأداء على البارد فى عام 2020. كما تم التخطيط لمحطة طاقة محدثة أكبر HTR-PM600، بسعة 600 ميجاوات.
من المعروف أن الصين تنفذ بحزم سياسة الانفتاح على العالم الخارجى. وتمشيا مع مبدأ الاعتماد على الذات، وبمساعدة التعاون الدولى، قدمت الصين بشكل إيجابى المعدات والتكنولوجيا المتقدمة، إلى جانب الخبرة في إدارة العمليات والتمويل والكوادر الفنية الماهرة. ومن خلال التصميم والإنتاج المشترك للمعدات، تمكنت الصين من أن تصبح تدريجياً مستقلة بشكل أساسى فى تصنيع معدات محطات الطاقة النووية. الآن أصبحت الصين مكتفية ذاتيا فى تصميم المفاعلات وتصنيعها وتنفيذها وتشغيلها وصياناتها، بالإضافة إلى دورة الوقود النووى، وسياسة الصين هى أن يكون لديها دورة وقود نووى متكاملة مغلقة.