د.على عبد النبى يكتب :_ المحطات النووية الروسية من الجيل الثالث المتطور ..المقالة الأولى:
معلومات كثيرة لا يمكن تخزينها فى عقلى، ودفنها معى حين مماتى. وكل ما يرضينى كمتخصص فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء، أن أنشر هذه المعلومات لتعود بالنفع على أهل بلدى الحبيبة مصر.
مشروع الضبعة النووى هو أضخم مشروع فى تاريخ مصر، وليس كل من يعمل فى المجال النووى هو من المتخصصين فى مجال المحطات النووية، ولكن ربما يمكن الاستفادة من تخصصه فى أحد الأجزاء خلال مراحل المشروع.
مشروع المحطات النووية لتوليد الكهرباء هو أحد المشروعات العملاقة، ويشمل على سبيل المثال لا الحصر، دراسات الجدوى الاقتصادية .. اختيار استشارى عالمى لدراسات المواقع .. دراسات المواقع .. دراسات الأمان النووى .. تقييم الأثر البيئى .. التقبل الجماهيرى.. اختيار استشارى عالمى للمحطة النووية .. تقييم تكنولوجيات المحطات النووية .. دراسات الوقود النووى .. دراسات ربط المحطة على الشبكة الكهربائية .. إدارة مشروعات المحطات النووية .. إعداد مواصفات المحطة النووية وتحليل العروض والمفاوضات مع الشركات .. إعداد العقد .. مراجعة الحسابات واللوحات التصميمية .. إعداد تقرير الأمان الأولى وتقرير الأمان النهائى .. تجهيز البنية التحتية لموقع المحطة .. الإشراف على تنفيذ المحطة .. تأهيل وتدريب الكوادر الفنية .. إجراء اختبارات بدء التشغيل .. التشغيل التجارى والصيانة .. تخزين الوقود المحترق .. معالجة الوقود المحترق .. تكهين وإزالة المحطة النووية عندما يتطلب الأمر إزالتها.
هناك عوامل كثيرة تؤثر فى تطوير وانتشار المفاعلات النووية، من بينها سعر الكيلووات ساعة المنتج والأمان والأمن النووى، وكذلك مدى توافقها مع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية من خلال إدارة دورة الوقود، بالإضافة إلى مدى ملاءمتها للشبكة.
لتوضيح وتسهيل موضوع سلسلة المقالات على السادة القراء، يهمنا أن نذكر أن العامل الرئيسى والمهم هو الأمان النووى فى جميع مراحل دورة الوقود النووى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، عمليات التعدين .. التخصيب .. التصنيع .. حرق الوقود النووى داخل قلب المفاعل لتوليد الكهرباء .. تخزين الوقود النووى المحترق .. أو معالجة الوقود النووى المحترق.
لتقييم تكنولوجيات المحطات النووية المختلفة، نجد أن من بين أهم المواضيع، موضوع منظومة الأمان فى المحطة النووية.
وحتى تتضح الصورة أمامكم سوف أسرد بعض التفاصيل، وأقول، أن مفاعلات الماء العادى (الخفيف) مثل مفاعلات الضبعة، تعتمد فى تشغيلها على الوقود النووى المخصب، بمعنى أن نسبة اليورانيوم 235 القابل للانشطار تتراوح ما بين 2.5 إلى 5% من وزن الوقود، بعدما كانت نسبتها 0.7% فى خام اليورانيوم الموجود فى الطبيعة.
يوضع الوقود النووى المخصب – ثانى أوكسيد اليورانيوم UO2 – حوالى 90 طن أو أكثر، داخل قلب المفاعل المغمور فى الماء الخفيف، والذى يستخدم كمهدئ للنيوترونات ولتبريد الوقود النووى. فالنيوترونات تخرج من انشطار ذرة اليورانيوم 235 سريعة، ثم يتم تهدئتها مع اصطدامها مع ذرات ماء التبريد، بمعنى تبطئ من سرعتها. وتستخدم النيوترونات البطيئة فى انشطار ذرة يورانيوم 235 جديدة، بمعنى يكون هناك انشطار متسلسل، ونتيجة الانشطار تتولد طاقة حرارية، هذه الحرارة نستفيد منها فى تسخين مياه تبريد الوقود النووى.
ولابد من تحريك مياه تبريد الوقود الساخنة بعيدا عن الوقود، وتعويضها بماء بارد حتى لا يحدث ضرر للوقود النووى من السخونة العالية، ويتم تحريك المياه بواسطة طلمبات، فتتجه مياه التبريد الساخنة لتمر فى أنابيب مولد البخار، وتفقد حرارتها فى تسخين مياه مولد البخار، ثم تعود مرة أخرى إلى قلب المفاعل، وتقوم بتبريد الوقود ويرتفع درجة حرارتها وتتجه مرة أخرى إلى مولد البخار، وتستمر هذه العملية طالما المفاعل النووى فى حالة التشغيل، أو فى حالة تبريد قلب المفاعل أثناء توقفه عن التشغيل حتى يتم التخلص من الطاقة المتبقية فى قلب المفاعل.
مولد البخار تأتيه المياه الساخنة من قلب المفاعل النووى، وتمر فى أنابيب مولد البخار، وأنابيب مولد البخار مغمورة فى مياه مولد البخار. مياه مولد البخار تتحول إلى بخار بواسطة حرارة المياه القادمة من قلب المفاعل، هذا البخار يتجه إلى التوربينة ويقوم بدورانها، والتوربينة تدير مولد الكهرباء.
البخار الخارج من التوربينة، يتم تكثيفه وتحويله إلى مياه مرة أخرى، ويتم توجيه هذه المياه بواسطة الطلمبات لتمر فى أنابيب مولد البخار مرة أخرى، وترتفع درجة حرارتها بواسطة المياه الساخنة القادمة من قلب المفاعل، وتتحول مرة أخرى إلى بخار.
البخار الخارج من التوربينة، يتم تكثيفه فى مكثف، هذا المكثف موضوع تحت التوربينة. المكثف يقوم بتكثيف البخار القادم من مولد البخار بعد مروره على التوربينة باستخدم مياه البحر، والتى تمر فى أنابيب المكثف.
الهدف من هذا السرد هو، أن الوقود النووى فى قلب المفاعل لابد من تبريده بواسطة مياه التبريد .. ومياه التبريد لابد من تبريدها بواسطة مولد البخار .. والبخار الخارج من مولد البخار لابد من تكثيفه وتبريده فى المكثف بواسطة مياه البحر.
مما سبق يتضح أن عملية تبريد الوقود النووى مهمة جدا جدا، ولو توقفت عملية تبريد الوقود النووى تعتبر فى منتهى الخطورة. ومن المؤكد أن توقف عملية تبريد الوقود النووى سوف تؤدى إلى انصهاره، وهو ما حدث فى حادثة "ثرى مايل آيلاند"، وكارثة "تشرنوبيل"، وكارثة "فوكوشيما".
منظومة الأمان النووى فى المحطة النووية مسؤولة عن تبريد الوقود النووى، أثناء تشغيل المفاعل، وأثناء توقف المفاعل، وأثناء الحوادث النووية، وبعد الحوادث النووية ولفترة حتى تنتهى الطاقة المتبقة داخل قلب المفاعل.
لابد وأن ننتبه إلى أن: تبريد الوقود النووى فى قلب المفاعل بواسطة مياه التبريد لابد وأن تتم .. وأن تبريد مياه تبريد المفاعل بواسطة مياه مولد البخار لابد وأن تتم .. وأن تكثيف البخار الخارج من التوربينة وتحويله إلى مياه ثم تبريدها بمياه البحر لابد وأن تتم. هذه النقاط الثلاث فى منتهى الخطورة، وسوف يدور معظم حديثنا عنها فى سلسلة المقالات والتى بدأناها بهذه المقالة.
ذكرنا فى كلامنا بعض مكونات المحطة النووية، منها الوقود النووى الموجود فى قلب المفاعل Core، وقلب المفاعل هذا موجود داخل وعاء ضغط Pressure vessel، ووعاء الضغط محكم الإغلاق، ولا يسمح بوجود فقاعات من البخار فى ماء تبريد الوقود النووى حين تسخينه من حرارة الانشطار النووى المتسلسل. كما ذكرنا مولد البخار Steam generator. وذكرنا أيضا طلمبات تحريك مياه تبريد الوقود النووىReactor coolant pump . هذه المكونات هى المكونات الأساسية لما يعرف بالجزيرة النووية Nuclear Island. والجزيرة النووية بالكامل موضوعة داخل وعاء احتواء Containment.
وذكرنا فى كلامنا التوربينة، والمولد، والمكثف. هذه المكونات هى المكونات الأساسية لما يعرف بالجزيرة التقليدية Conventional Island.
المحطات النووية الروسية من الجيل الثالث المتطور (بلس "+")، هى من مفاعلات الـ VVER الروسية الصنع، وتسمىAES-2006 (VVER1200) ، والتى قدرتها 1200 ميجاوات، وهى تطوير متقدم لمفاعلات الجيل الثالث AES-91 (VVER-1000)، والتى تحتوى على مفاعل V-428، والذى قدرته 1000 ميجاوات، والذى تم تنفيذه فى دولة الصين فى محطة "تيانوان". والحروف AES هى اختصار لـ Atomnaja Electrostancija ، وترجمتها "محطة كهرباء ذرية"، والرقم 2006 هو سنة تصميم المفاعل. ويوجد إصداران من هذا الجيل، وهم الإصدار V-392M، والإصدار V-491. الحروف VVER هى اختصار لجملة Vodo Vodyanoy Energetic Reactor، وهى تعنى "مفاعل قوى يستخدم الماء كمبرد وكمهدئ للنيترونات".
التطوير الذى تم على مفاعلات الجيل الثالث AES-91 (VVER-1000) والذى كانت نتيجته مفاعلات الجيل الثالث المتطور (بلس "+")، أدى إلى تحسين فى خصائص الأداء الفنية والاقتصادية، من خلال استخدام أحدث التكنولوجيات فى نظم الأمان مع زيادة الاعتمادية، وكذا مع الاستخدام الأمثل لتكاليف البناء. ونتيجة ذلك، زاد عمر المحطة ليصبح 60 عاما، وارتفعت كفاءة المحطة إلى 34.5% بدلا من 31.6%، لكن مع احتفاظها على نفس عدد حزم الوقود النووى وهى 163 حزمة، ومع وعاء ضغط أوسع، ومع زيادة فى الضغط والحرارة، وكذا احتراق الوقود النووى أعلى (حرق عميق)، فهو يصل إلى 70 جيجاوات يوميا لكل طن مترى، بعدما كانت تتراوح ما بين 43-55 جيجاوات يوميا لكل طن مترى.
يوجد اختلافات فى التصميم بين الإصدارV-392M والإصدارV-491 من مفاعلات الجيل الثالث المتطور (بلس "+")، والسبب يرجع إلى أن المكاتب التى قامت بتصميم الإصدارين مختلفة. فالمصمم العام للإصدار V-392M هو مكتب JSC-Atomenergoproekt فرع موسكو، والمصمم العام للإصدار V-491 هو مكتب JSC-SPB Atomenergoproekt فرع سانت بطرسبرج، وهناك فروق فى تصاميم المحطتين. الإصداران من هذه المحطات موجودان داخل روسيا، فالإصدارV-491 موجود فى محطة لينينجراد-2، وكذلك فى محطة بالتك 1-2، والإصدار V-392M موجود فى محطة نوفوفارونيش-2.
مفاعلات الضبعة النووية VVER-1200، هى من مفاعلات الجيل الثالث المتطور (بلس "+")، حيث تم إدخال تحسينات كثيرة فى نظم الأمان، وكذا اقتصادياته. وقد تم تصميم هذه المفاعلات طبقا لبنود الأحكام العامة الروسية لأمان المحطات النووية، والذى صدرعام 1997، والتى تتطابق مع توصيات المجموعة الدولية للأمان النووى INSAG.
الملامح الرئيسية لأسس تصميم مفاعلات الضبعة تتواكب مع المعايير والأكواد العالمية ومنها : تصميم بسيط وأكثر متانة، يتيح سهولة التشغيل والصيانة، وتقليل مشاكل التشغيل .. إتاحية عالية .. ارتفاع معدلات حرق الوقود النووى، مما يتيح استخدام الوقود بفاعلية أكثر، وتقليل كمية النفايات .. العمر التشغيلى للمحطة 60 عام.
للحديث بقية، إن شاء الله فى المقالة القادمة، سوف نكمل شرحنا لموضوع مفاعلات الجيل الثالث المتطور (بلس "+") الروسية.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقال آخر، لكم منى أجمل وأرق التحيات.