د.على عبد النبى يكتب :_ المحطات النووية فى ظل انتشار وباء فيروس كورونا
أصاب وباء فيروس كورونا، الذى تم اكتشافه لأول مرة فى الصين فى ديسمبر 2019، الأشخاص فى 188 دولة، وأدى إلى حدوث وفيات بمئات الآلاف. وفقد العديد من الأشخاص وظائفهم، كما شهد العديد من الأشخاص انخفاضا فى دخولهم. ونتيجة لذلك، فقد زادت معدلات البطالة عبر الاقتصادات العالمية.
فى حين لا توجد طريقة لمعرفة بالضبط ما الضرر الاقتصادى الناجم عن وباء فيروس كورونا الجديد كوفيد-19، إلا أن له آثارا سلبية شديدة على الاقتصاد العالمى. وتشير التقديرات المبكرة، إلى أنه إذا أصبح الفيروس وباءً عالميا، فستفقد معظم الاقتصادات الكبرى 2.4%على الأقل من قيمة ناتجها المحلى الإجمالى خلال عام 2020.
الوباء ليس له تأثير مباشر على نظم المحطات النووية، فهو يهدد صحة الإنسان فقط، وبذلك فتأثيره ينصب على تنفيذ العمليات فى العديد من المنشآت النووية والتى تعتمد على الإنسان. ونقصد هنا بالمنشآت النووية، المحطات النووية التى فى الخدمة، ومصانع الوقود النووى، ومصانع معالجة الوقود النووى المحترق، ومستودعات تخزين الوقود المحترق، الخ. وقد يشكل هذا تحديا كبيرا لمنظومة الأمان ومنظومة الأمن فى هذه المنشآت النووية، ويزيد من خطر الحوادث الشديدة. ففى حالة وقوع حادث شديد، مثل تلك التى وقعت فى تشيرنوبيل وفوكوشيما، فإن الأثر سيكون مدمرا على نحو مضاعف.
محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء هى قطاع هام على المستوى العالمى يشارك فى خليط الطاقة، حيث يمثل نسبة 10.5٪ من توليد الكهرباء فى العالم، من عدد 442 مفاعلا نوويا، ويخدم أكثر من 30 دولة، فالمطلوب من هذا القطاع الاستمرار الآمن فى توليد الكهرباء فى ظل انتشار الوباء. ونظرا لأن القطاع نفسه يتأثر بانتشار الوباء، فيجب أن يتكيف القطاع بسرعة مع الظروف المتغيرة وغير المسبوقة وغير المؤكدة.
تعتمد المنشآت النووية فى تشغيلها على كوادر من ذوى المهارات العالية، ونتيجة انتشار وباء فيروس كورونا، قد يتسبب فى مرض بعض من هذه الكوادر وبقائهم فى المنزل، أو بقائهم فى الحجر الصحى. أو قد تتسبب ظروف العمل المقيدة بسبب التدابير المتخذة للحد من انتشار الوباء فى تهديد التشغيل الآمن للمحطات النووية.
يقوم مشغلو المحطات النووية بتطبيق تدابير مختلفة لحماية صحة الكوادر النووية من الإصابة بالفيروس، مثال لذلك: التباعد الاجتماعى والعمل عن بعد إن أمكن، مع تقليل عدد الكوادر العاملة، واتباع طرق بديلة للتواصل مع أفراد غرفة التحكم، وإجراء الفحوصات الطبية المنتظمة للكوادر، وتعقيم مناطق العمل، وتوفير معدات الوقاية الشخصية، واتباع القيود المفروضة على السفر، والعزل الذاتى، وقيود على الاجتماعات، حتى يمكن الطلب من الكوادر الأساسيين العيش فى الموقع مؤقتا.
بشأن كيفية استعداد المحطات النووية لحالات انتشار الوباء، تتطلب معايير الأمان للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن تكون مستويات التوظيف كافية لتشغيل وإغلاق المفاعل بأمان، والحفاظ على الأمان أثناء فترة إغلاق المفاعل. فهناك متطلبات تنظيمية تتعلق بالتشغيل الآمن لمحطات الطاقة النووية، بما فى ذلك مواصفات الحد الأدنى من الموظفين المطلوبين فى المواقع. وتقع على عاتق الهيئات التنظيمية الوطنية مسؤولية ضمان الامتثال لهذه المتطلبات من قبل القائمين على تشغيل المحطات النووية.
لمواجهة الأحداث الخارجية التى تؤثر على التشغيل الآمن للمحطة النووية، ومن بينها انتشار وباء ما، تتطلب أن يكون هناك حد أدنى من الكوادر. وهذه الكوادر يعول عليهم فى الحفاظ على أمان وأمن المحطة النووية، ومنهم على سبيل المثال، أطقم التشغيل المتواجدين فى غرفة التحكم، وأطقم الصيانة، والعاملين فى مجال الحماية من الإشعاع، وأطقم الأمن، وأطقم الاستجابة للطوارئ مثل فرق الإطفاء، الخ.
فى المحطة النووية تختلف الأعداد فى كل فئة وظيفية من مفاعل إلى لمفاعل ومن بلد إلى بلد، فهناك متطلبات تنظيمية تحدد الحد الأدنى من الكوادر فى الموقع للتشغيل الآمن. من الناحية المثالية، وفى حالة عدم تلبية هذه المتطلبات، يتم إغلاق المحطة النووية. مع أن إيقاف التشغيل للمحطة يقلل بشكل كبير من عدد الأفراد المطلوبة، لكن يجب ضمان تشغيل بعض العمليات المتعلقة بالأمان، مثل، تبريد قلب المفاعل، وتبريد الوقود المحترق فى مستودعات التخزين ولفترات زمنية طويلة، وكذا عمليات تأمين المحطة النووية.
عادة، هناك أعداد أكثر من الحد الأدنى من الأشخاص فى كل وردية، وهناك ورديات احتياطى لمراعاة حالات المرضى. هذه الاحتياطات مأخوذة فى الحسبان، حيث أنه لا يمكن استبدال هذه الكوادر بكوادر جديدة بسهولة أو فى وقت قصير، لأن جميع هؤلاء الكوادر مؤهلين تأهيلا عاليا وراقيا فهم كوادر من ذوى المهارات العالية، ومعظمهم متخصصون تماما، وخاصة وأن أفراد غرفة التحكم متخصصون بشكل خاص ويحتاجون إلى خبرة محددة وتراخيص رسمية للسماح لهم بالعمل فى المحطة النووية.
ونتيجة انتشار وباء فيروس كورونا فهناك إجراءات احترازية صارمة، من بينها التباعد الاجتماعى. عادة، هناك قيود فيما يتعلق بالحد الأقصى لعدد ساعات العمل اليومية والأسبوعية. على الرغم من أنه يمكن تخفيف هذه القيود إلى درجة معينة ولفترة محدودة، إلا أن التشغيل الآمن للمحطة النووية يعتمد بشكل كبير على الكوادر المهيأة ذهنيا وبدنيا، حتى يكون تركيزهم فى أداء عملهم أعلى وإتقانهم للعمل الذى يقومون به أفضل، لتجنب الأخطاء البشرية.
بالنسبة لتدابير ضمان توافر الكوادر العاملة فى المحطات النووية مع استمرار انتشار وباء فيروس كورونا، نجد أن هناك دولا سوف تضطر إلى إيقاف مفاعلاتها فى حالة إصابة بعض من كوادرها بالفيروس، مثال لهذه الدول، دولة أرمينيا ودولة سلوفينيا، فكل دولة تمتلك مفاعلا واحدا، حيث يشارك مفاعل أرمينيا بنسبة 28% من إنتاج الكهرباء، ويشارك مفاعل سلوفينيا بنسبة 37% من إنتاج الكهرباء، ولو توقفت هذه المفاعلات فسوف تتسبب فى إحداث ضرر كبير لهذه الدول.
لكن هناك دول تعتمد اعتمادا كبيرا على الطاقة النووية، ويمكنها أن تصمد وتظل مفاعلاتها تعمل لفترة من الزمن فى ظل انتشار الوباء، مثل فرنسا وسلوفاكيا. ففى حالة فرنسا نجد أن المحطات النووية تشارك بنسبة 72% من إنتاج الكهرباء، وبسبب أن فرنسا لديها الكثير من المفاعلات المتشابهة إلى حد كبير، فهذا يساعد على تبادل أو استكمال الكوادر بين المواقع المختلفة لضمان أن المفاعلات تظل تعمل بشكل صحيح. وكذلك سلوفاكيا، نجد أن المحطات النووية تشارك بنسبة 54% من إنتاج الكهرباء، من مفاعلات روسية متشابه وهى VVER V-213، وهذا يساعد على تبادل أو استكمال الكوادر بين المواقع المختلفة لضمان أن المفاعلات تظل تعمل بشكل صحيح. لكن، إذا استمر الوباء فى الانتشار لفترات طويلة، وتسبب فى نقص فى أعداد الكوادر المدربة، فإن العثور على أعداد كافية من المشغلين المدربين وباقى الكوادر فى التخصصات الأخرى، قد يمثل تحديا فى كثير من الدول النووية، ومن بينها فرنسا وسلوفاكيا.
أثناء إغلاق المحطات النووية للتزود بالوقود وإجراء عمليات الصيانة المهمة للأمان وعمليات التفتيش الدورية اللازمة، تزداد القوى العاملة الموجودة فى المحطة بشكل كبير، قد تصل من عدة مئات إلى بضعة آلاف من العمال. يمكن أن تكون القوى العاملة الإضافية إما فنيين محليين أو متخصصين من الشركات الموردة الذين يسافرون من محطة إلى أخرى أو حتى من بلد إلى آخر للمشاركة فى عمليات الإغلاق. وتتمثل إحدى طرق التعامل مع مخاطر انتشار الوباء فى تأجيل إغلاق المفاعل وتأجيل كل هذه الأنشطة حتى تمر ذروة وباء فيروس كورونا. فيمكن تأخير إعادة التزود بالوقود لبضعة أشهر عن طريق خفض إنتاج الطاقة من المفاعل.
أما فى حالة تخفيض أعداد الكوادر الفنية والعمالة اللازمة لتنفيذ هذه الأنشطة، فسوف يؤدى ذلك إلى زيادة فترة التنفيذ، والتى ستؤدى إلى خسائر نتيجة توقف المحطة عن توليد الكهرباء. كما أن تأجيل عمليات التفتيش المطلوبة وأنشطة الصيانة لفترات طويلة، ستقلل من مستوى سلامة المحطة.
أزمة انتشار وباء فيروس كورونا شلت حركة جميع مرافق وقطاعات الدول، وبسبب القيود المفروضة، فقد ينعكس ذلك على مصانع قطع الغيار، ومنها على سلسلة توريدات قطع غيار المحطة النووية، وبالتالى، هناك خطر من عدم توفر قطع الغيار للأجزاء الأساسية للأمان فى الوقت المناسب.
عمل الهيئات الرقابية النووية يمكن أن يتأثر أيضا جراء انتشار وباء فيروس كورونا. فأثناء التشغيل العادى وخاصة أثناء توقف المحطة النووية للتزود بالوقود كل 12 إلى 24 شهر، تقوم كوادر الهيئات الرقابية بإجراء عمليات فحص الأمان، وهو شامل لجميع أجزاء المحطة النووية. ويتطلب ذلك زيارات للمحطة النووية لإجراء عمليات التفتيش مع الكوادر القائمة على تشغيل المحطة. ونظرا لقيود العمل الوقائى والإجراءات الاحترازية لمواجهة وباء فيروس كورونا، قد يكون هناك عدد أقل أو لا توجد كوادر من الهيئة الرقابية فى موقع المحطة النووية، مما يتطلب إجراء فحوصات الأمان إما استنادا إلى الوثائق المقدمة من المسؤول عن تشغيل المحطة أو يتم تأجيل التفتيش تماما.
ومع ذلك، من الواضح أنه لا يمكن إجراء تقييم شامل لخطر تعرض الكوادر النووية للفيروس، وتأثير ذلك على تشغيل المحطة النووية الآمن. كما يثير العديد من الأسئلة حول أساس تحديد الأنشطة التى يمكن تأجيلها بأمان. وبينما يستمر الوباء، ينبغى أن توفر الهيئات الرقابية معلومات أكبر عن العوامل المستخدمة، لتقرير ما إذا كان أى نشاط مؤجل مقبولا. على المدى الطويل ، يجب على الجهات الرقابية وضع إطار عمل شامل لتحديد الإجراءات التى يمكن تأجيلها فى حالة انتشار وباء.
أما فى حالة الطوارئ النووية، فى حالة وقوع حادث شديد، قد تصبح تدابير الطوارئ الخارجية مثل إجلاء السكان المحليين ضرورية. فى حين أن إجراءات الطوارئ هذه ستكون شديدة الصعوبة حتى في الظروف العادية، فقد تصبح أكثر توترا فى أوقات مثل الوقت الحالى عندما تعمل خدمات الطوارئ والمستشفيات والنظام الطبى بأكمله تحت ضغط شديد. وبالمقابل، يمكن أن يؤدى نقل أعداد كبيرة من السكان وسط جائحة إلى مزيد من تفشى الوباء. ضمان الابتعاد الاجتماعى فى مراكز الإجلاء، على سبيل المثال، لن يكون ممكنا بموجب الخطط المطبقة حاليا. وبالتالى، فإن وقوع حادث شديد أثناء الوباء قد يؤدى إلى عواقب أكثر خطورة.
على مستوى الصناعة العالمية، نجد أن الصناعة النووية، ومنها محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، قد تكون فى مكان أفضل بسبب الشفافية العامة ومتطلبات إعداد التقارير التى تطلبها معايير الأمان النووى . حيث يجب عليهم الإبلاغ عن أى حالات وأى شىء آخر، يمكن أن يؤثر على الأداء الوظيفى للمحطة. ولهذا السبب تمتلك محطات الطاقة النووية وظائف أكثر أمانا على مستوى جميع الصناعات.
إن شاء الله فى مقالتى القادمة، سوف أوضح أنه نتيجة للوباء، فقد اتضح مدى أهمية المحطات النووية وتفوقها على المحطات التى تعمل بالوقود الأحفورى، كآلية لتحقيق استقرار الشبكة وأمن الطاقة ضمن نظم خليط الطاقة.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى، لكم منى أجمل وأرق التحيات.