رئيس مجلس الإدارة
عبدالحفيظ عمار
رئيس التحرير
محمد صلاح

د.أحمد سلطان يكتب: سد النهضة والنكسات العربية

عالم الطاقة

فى ثقافتنا الشعبية الأصيلة وفى كراسة السياسة المصرية ننظر جميعا إلى نهر النيل بإعتباره أهم ركائز الأمن القومى ومن هنا فإن النيل يمثل قمة أولويات مصر وشواغلها للحيلولة دون أى عمل أو فكر متطرف يؤثر على حصة مصر التاريخية من مياه النيل أو مواعيد وصولها إليه، وفى مصر قناعة ثابتة من بداية التاريخ الإنسانى بأن ما يربطنا بإفريقيا شئ أبعد وأعمق من البعد الجغرافى الذى وهب مصر مكانة تاريخية متميزة بإعتبارها بوابة الإرتباط بين قارتى إفريقيا وآسيا فضلا عن تحمل مصر راية وتكلفة حراسة باب القارة السمراء الشرقى ويسبق كل هذه الأبعاد التاريخية بعد أكثر عمقا وأهمية وهو نهر النيل الذى يمثل لنا رباط الحياة وركيزة الأمن القومى، وهناك العديد من البرديات الفرعونية القديمة كشفت مدى ارتباط المصريين بالنيل منذ عهد الفراعنة وخاصة بردية الفلاح الفصيح من عهد حكم الأسرة التاسعة إذ وصف بالنيل المؤمن وأنه من أنهار الجنة ونهر من سادات أنهار الأرض وأشراف البحار وكتب عنه الشاعر المصرى محمود حسن اسماعيل بديعته النهر الخالد وشداها موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب.

وفكرة إنشاء سد بمواصفات خاصة على منابع النيل الأزرق فى أثيوبيا تتردد من وقت لآخر طوال العقود الماضية وبرزت بوضوح خلال المشروعات التى تضمنتها ما يعرف بمبادرة حوض النيل والتى لم ترى النور وكانت برعياة البنك الدولى والتى كان من أهم ملامحها بناء سد لحجز المياه فى أثيوبيا وتنظيم خروجها من الخزان الذى ستكون امامه بإنتظام وعلى مدار السنة بدلا الوضع الحالى والذى يأتى فى موسم واحد وأنه فى حالة نجاح المخطط الأثيوبى فى ملئ وتشغيل سد النهضة فإنها ستحجز لنفسها حوالى ٦٥ مليار متر مكعب فى السنة وتطلق الباقى حوالى ٣٫٦ مليار متر مكعب فى الشهربعد حجز ٣٪ ما سيضيع بسبب البخر فى الخزان لاستخدامات مصر والسودان واطلاق المياه من أثيوبيا بإنتظام ومن هنا إلغاء دور السد العالى أو أن توليد الكهرباء منه سوف يقل بنسبة كبيرة جدا، وايضا سيهدد أية مشاريع تنموية وبتشغيل سد النهضة يعنى أن مصر ستخسر أحد أهم رموز ارادتها الوطنية وهو السد العالى.


ومصر منذ القدم تقف بمفردها ضد أى محاولات الاقتراب من مياه النيل ففى ١٩٥٣ كانت حازمة عندما اقدمت أثيوبيا على بناء أول سدودها على النيل وأجبرت أديس أبابا على أن يخفض ارتفاع السد من ٣٠ مترا الى ١١ مترا، والرئيس الراحل السادات هدد بضرب أى محاولة أثيوبية لبناء أية سدود على النيل الأزرق والذى يمثل ٨٥٪ من مجموع مياه النيل التى تصل إلى مصر والسودان بداية من التقاء فرعيه الأزرق و الأبيض عند الخرطوم، فمصر يصلها من مياه النيل وفقا لإتفاقية    ١٩٥٦ مع السودان ما يوازى ٥٥ مليار متر مكعب سنويا منها ٤٨ مليار متر مكعب حصتها التاريخية من مياه النيل والتى إقرتها إتفاقية ١٩٢٩ بموجب تقديرات ١٩٢٥ وذلك من مجموع ٦٨ مليار متر مكعب هى ما يقدمه جريان نهر النيل فى تدفقه من منابع حوضه والمتوقع ان يحجز سد النهضة خلفه الكثير من نصيب مصر والسودان من مياه النيل حيث سيحجز خلفه ما يقرب من نفس معدل تدفقه السنوى حوالى ٦٥ مليار متر مكعب عدا ما يتسرب فى شقوق داخل الأرض وكمية كبيرة تفقد بسبب التبخر، وبذلك فتشغيل السد الأثيوبى سينقل عملية التخزين القرنى للمياه إليها وسيجعل مصررهينة لهذه الدولة وهو المصير الذى كانت مصر وعلى طوال تاريخها الحديث تسعى جاهدة لكى تتفاداه، أن هناك خمسة عشر اتفاقية تنظم العلاقة بين مصر ودول حوض النيل، منها خمس اتفاقيات مع إثيوبيا التي يرد منها 85% من مجموع نصيب مصر من مياه النيل؛ مذكرا بأن الإمبراطور منليك الثاني ملك إثيوبيا تعهد في إحدى الاتفاقيات عام 1902 بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والسودانية مقدما.


وأخيرا وليس آخرا، إن الرئيس عبد الفتاح السيسي نجح في وضع قضية سد النهضة الإثيوبي أمام المجتمع الدولي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، ووصفها بأنها قضية حياة ووجود، فالمياه لمصر قضية أمن قومى بإمتياز قضية أمن حقيقية لا تضاهيها أية تهديدات خارجية ومن هذا المنطلق الاستراتيجى فأن أزمة سد النهضة ما كان يجب أن يسمح بها أن تكون مشروع أزمة من الاساس، العبث بحقوق مصر الاجتماعية والانسانية والتاريخية فى مياه النيل هو خط أحمر وعلى الجميع أن يعلم أن مصر تمتلك من الأدوات للردع والقوة والمدعومة بإرادة سياسية قوية ما يجبر الجميع على احترام على حقوقها فى مياه النيل.
ورسالة لكل الدول العربية أن أزمة سد النهضة نموذج للنكسات التى أصابت النظام العربى ككل منذ إنشائه حيث معالم الأمن القومى العربى لا تحددها خطوط حمر واضحة وحاسمة تذود عنها ادوات ردع قوية حتى لا يخاطر العدو أو الصديق اللدود التفكير بتجاوزها.


تم نسخ الرابط
ads