لواء سمير فرج يكتب: شرق «المتوسط» والتحرش التركي
منذ أربع سنوات فى عام 2016 كتبت فى إحدى مقالاتى عن أخطر وثيقة أمريكية صدرت عن تحليل استراتيجى وسياسى عن منطقة الشرق الأوسط، والتى ظهر فيها لأول مرة مصطلح «شرق المتوسط»، وكانت تعنى فيها الولايات المتحدة الأمريكية هذه المنطقة التى تبدأ من ليبيا ثم مصر ثم فلسطين (غزة) ثم إسرائيل ثم لبنان ثم سوريا.. وأخيراً حتى قبرص، حيث أكدت الوثيقة أن هذه المنطقة، شرق «المتوسط»، تعيش فوق بحيرة من الغاز الطبيعى والبترول، وأكدت هذه الوثيقة أن مصر سوف تكتفى من الغاز الطبيعى عام 2018، وأنها ستبدأ فى تصدير الغاز الطبيعى عام 2020، وهذا ما تم بالضبط، وأكد صحة تقديرات الإدارة الأمريكية.
وأكدت الوثيقة الأمريكية أن الدراسات الجيولوجية الأمريكية للمنطقة أفادت بأن مصر تمتلك أكبر احتياطى للغاز الطبيعى فى هذه المنطقة لوجود 240 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعى فى منطقة شرق «المتوسط»، وأشارت هذه الوثيقة إلى أن قرار الرئيس السيسى بترسيم الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل وقبرص قد شجع الشركات الأجنبية على البدء فى التنقيب عن الغاز الطبيعى فى المنطقة، كذلك أشارت الوثيقة الأمريكية إلى أن قيام الرئيس السيسى بتدعيم القوات العسكرية المصرية، خاصة القوات البحرية، كان بهدف تأمين هذه الاستثمارات فى الغاز الطبيعى أمام السواحل المصرية، وكان تحرك مصر سريعاً بعد ذلك، حيث تم الإعلان عن تعاون مصرى يونانى قبرصى، علاوة على تنفيذ عدد من التدريبات العسكرية فى المنطقة.
وعلى الجانب الآخر، قامت إسرائيل باكتشاف عدد من حقول الغاز أمام سواحلها، منها حقل ليفياثان وتمارا، محققة اكتفاءً ذاتياً، بعد أن كانت تستورد الغاز الطبيعى من مصر حتى عام 2011، بل بدأت إسرائيل فى تصدير الغاز الطبيعى إلى أوروبا.
.. بعد معالجته فى مركز الإسالة المصرى، ولقد نجحت مصر فى يناير 2019 فى تأسيس منتدى غاز شرق «المتوسط»، الذى يضم فى عضويته مصر وإسرائيل وفلسطين وإيطاليا والأردن وقبرص واليونان، كمنظمة دولية تهدف إلى احترام حقوق الأعضاء بشأن مواردهم الطبيعية، ويمثل أوبك الغاز فى منطقة شرق «المتوسط»، وخلاله طلبت فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى الاشتراك فى هذا المنتدى.
وفجأة بدأت تركيا، التى وجدت نفسها وحيدة بعيدة عن ثروة شرق «المتوسط»، حيث بدأت فى البداية التحرش مع قبرص بإرسال سفن تركية للبحث والتنقيب عن الغاز الطبيعى أمام السواحل القبرصية، الأمر الذى أثار حفيظة الاتحاد الأوروبى، حيث إن قبرص أحد أعضاء الاتحاد، بعدها بدأت تركيا بعقد اتفاقيتين مع حكومة السراج فى طرابلس.. إحداهما لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، والثانية للتعاون الأمنى، مخالفة لكل القواعد والقوانين الدولية، حيث إن صلاحيات «السراج» لا تعطيه الحق فى التوقيع على تلك الاتفاقيات، وضاربة عرض الحائط بالعقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، حيث قامت بدعم حكومة «السراج» بالأسلحة والمعدات، وأخيراً دفعت الآلاف من المرتزقة من شمال سوريا إلى حكومة طرابلس لدعمها فى القتال ضد قوات الجيش الليبى، كذلك لم يصدق البرلمان الليبى على هذا الاتفاق التركى مع حكومة «السراج»، لذلك أجد هذا الاتفاق باطلاً شكلاً وموضوعاً وقانوناً.
وأخيراً بدأت بالسماح للشركات التركية بالتنقيب أمام السواحل الليبية طبقاً لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية التى وقعتها تركيا مع حكومة «السراج»، ولقد جاء طلب الحكومة التركية بدفع الشركات التركية لأن الشركات العالمية لن تقدم على القيام بأعمال التنقيب ودفع الأموال لأنها تعلم أن هذه الاتفاقية غير قانونية، لذلك لجأت تركيا إلى استخدام الشركات التركية فى أعمال البحث أمام السواحل الليبية، رغم ضعف إمكانيات وقدرات هذه الشركات، لكنها كانت وسيلة لإثبات وضع اليد التركية أمام السواحل الليبية، ولكن مع الاتجاه الآخر، فإن ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وحكومة طرابلس جاء ضد القانون الدولى لأن تركيا لم تراع حدود المياه الاقتصادية لدولة قبرص، خاصة أمام جزيرة كريت، التى انتهك ترسيم الحدود المياه الإقليمية والاقتصادية لها، لذلك أشعلت تركيا الموقف مرة أخرى فى منطقة شرق «المتوسط»، وأعتقد أنها قامت بهذا الإجراء حالياً ظناً منها بانشغال دول المنطقة، خاصة الأوروبية، بمكافحة فيروس كورونا رغم اتفاق الدول الخمس الأوروبية ومعها مصر، والذى تم منذ أيام ورفضها جميعاً التدخل التركى بالدعم العسكرى إلى حكومة طرابلس.. ومن هذا المنطلق أصدر الرئيس أردوغان قرارا بتعيين قائد القوات البحرية التركية، خلوصى أكار، الذى كان مشرفاً على عملية ترسيم الحدود مع ليبيا ليكون رئيساً لأركان حرب القوات التركية، وهذا أمر لا يحدث فى مفهوم العلم العسكرى بتولى قائد القوات البحرية رئاسة الأركان العامة، لكن جاء تعيينه ليكون هناك دور جديد للقوات المسلحة التركية فى أعمال منتظرة فى ليبيا... على أى حال، فإن اشتعال الموقف حالياً فى «شرق المتوسط» ليس فى صالح تركيا، التى تعانى أزمة اقتصادية كبيرة وتدهور الليرة التركية، وهنا نؤكد صحة رؤية القيادة السياسية المصرية عندما قررت تدعيم قواتها المسلحة، خاصة القوات البحرية، للتصدى لأى معتد على ثرواتها فى البحر المتوسط، وكانت زيارة السيد وزير الدفاع المصرى، هذا الأسبوع، لتفقد وصول الغواصة الألمانية الجديدة الثالثة التى تنضم إلى القوات البحرية المصرية رسالة واضحة لمن يهمه الأمر بأن القوات المسلحة المصرية مستعدة لتأمين مصالحها الاقتصادية فى شرق «المتوسط».
نقلا عن المصري اليوم