د٠ محمد جابون يكتب :_ الكلوروكوين و هيدروكسى كلوروكوين

 

تم تطوير مادة كلوروكوين لأول مرة في أربعينيات القرن العشرين ، وحصلت على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية كعلاج للملاريا في عام 1949 وظلت طويلًا كعلاج للملاريا .

وكان قد نشر تقرير عام 2005 بإمكانية أن يكون الكلوروكوين ومشتقاته من الهيدروكسي كلوروكوين فعالين في علاج فيروس كورونا وفيروس سارس حيث ينتمى الفيروسان لنفس العائلة، فقد كشفت دراسة أن الكلوروكوين يمكن أن يمنع إنتشار فيروس كورونا وفيروس سارس، الذين يتسببان في أمراض الجهاز التنفسي الحادة منذ ما يقرب من 20 عامًا .

يتداخل الكلوروكوين مع قدرة فيروس كورونا على التكاثر بطريقتين:

أولاً : يدخل الدواء إلى حجيرات تسمى إندوسومات داخل غشاء الخلية الحية فى الرئتين . تميل الإندوسومات فى العادة إلى أن تكون حمضية قليلاً . العديد من الفيروسات بما فيها فيروس كورونا وسارس تعمد إلى جعل الإندوسومات أكثر حموضة لتكون الفيروسات  قادرة على إختراق غشاء الخلية ، وإطلاق موادها الوراثية والبدء في التكاثر ؛ لكن التركيب الكيميائي للكلوروكوين يغير قليلا درجة حموضة الإندوسومات ، وهذا يجعل الإندوسومات أكثر قلوية,مما يمنع هذه الخطوة الحاسمة ,حيث يمنع إختراق الفيروس لغشاء الخلية الحية.

ثانيا : وفقًا لتقرير عام 2005 ، فإن الكلوروكوين يمنع أيضًا فيروس كورونا من الإندماج في نوع من البروتينات(المستقبلات) فى جدار الخلية الحية فى الرئتين يسمى  الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 . عندما يُدخل الفيروس زوائده البروتينه إلى هذا البروتين(المستقبلات) ، فإنه يبدأ عملية كيميائية تغير بنية هذا البروتين مما يسمح للفيروس بدخول الخلية و العدوى. وقد لوحظ أن جرعة كافية من الكلوروكوين يبدو أنها تقوض هذه العملية ، وبالتالي تمنع الفيروس من دخول الخلية الحية بشكل عام والتكاثر فيها.

التجارب الحالية على كلوروكوين:

في شهر فبراير الماضى ، قامت مجموعة بحثية صينية من الأكاديمية الصينية للعلوم بإختبار الفكرة ووجدت أن الكلوروكوين أوقف بنجاح إنتشار فيروس كورونا الجديد (المتحور) في الخلايا البشرية المستزرعة فى المعمل,كما تشير التقارير الأولية من الصين وأيضا كوريا الجنوبية وفرنسا إلى أن العلاج فعال إلى حد كبير في علاج المرضى من البشر ، كما بدأت بعض المستشفيات في الولايات المتحدة في تجربة الدواء على المرضى.. وهنا يجدر الإشارة إلى أن وزارة الصحة المصرية على مايبدو كانت قد قامت بنفس التجارب و توصلت لنفس النتائج والتى نقلتها إلى السلطات الصينية فى وقت لاحق من شهر فبراير الماضى..

ومع ذلك ، نظرًا لقلة المعروض من الكلوروكوين في الصين ، وحقيقة أن الجرعة الزائدة يمكن أن تؤدي إلى التسمم الحاد أو الوفاة لدى البشر ، فقد قام فريق البحث الصينى بعمل أبحاث على عقار هيدروكسي كلوروكوين المرتبط إرتباطًا وثيقًا بالكلوروكوين . وأشار الباحثون إلى أنه على الرغم من أنه يتشاركان في بنية مماثلة ، إلا أن هيدروكسي كلوروكوين يُظهر سمية أقل في التجارب على الحيوانات من قريبه الكيميائي كلوروكوين ,ويظل متاحًا على نطاق واسع كعلاج لمرض الذئبة الحمراء وإلتهاب المفاصل الروماتويدي.

إختبر الفريق الصينى هيدروكسي كلوروكوين في خلايا الثديات (حيوانات التجارب) ثم على المرضى من البشر, ووجد أنه مثل الكلوروكوين يمنع تكاثر فيروس كورونا الجديد (المتحور) وفقًا لتقرير نشر في 18 مارس الماضى . وأشار الباحثون إلى أنه حتى 23 فبراير ، تم تسجيل سبع تجارب سريرية في سجل التجارب السريرية الصيني لإختبار فعالية الدواء ضد عدوى فيروس كورونا الجديد.

و في الولايات المتحدة ، تدرس جامعة مينيسوتا ما إذا كان تناول هيدروكسي كلوروكوين يمكن أن يحمي الأشخاص الذين يعيشون مع المرضى المصابين بفيروس كورونا الجديد من الإصابة بالفيروس . ووفقًا للجمعية الأمريكية لصيادلة النظام الصحي ، فإن هناك نقص كبير منذ وقت سابق من هذا الشهر مارس 2020 فى كل من الكلوروكوين والهيدروكسي كلوروكوين . ولكن في 19 مارس ، تبرعت أغلب شركات الأدوية الأمريكية بأكثر من ثلاثة ملايين قرص للحكومة الفيدرالية.

على الرغم من أننا لن نعرف النتائج النهائية لهذه التجارب الأن ، فإن ميزة تجربة الكلوروكوين وهيدروكسي كلوروكوين كعلاجات لفيروس كورونا هي أن معدلات سلامة هذه الأدوية على الإنسان مفهومة جيدًا , بمعنى أن الأعراض الجانبية لهذه الأدوية معروفة على مدار عشرات السنين . فكلا الدوائين جيد التحمل بشكل عام في الجرعات المناسبة الموصوفة ,ولكن يمكن أن يسبب آلام في المعدة والغثيان والقيء والصداع ونادرا ما يسبب الحكة (الهرش). ولكن عندما تؤخذ بجرعات عالية على مدى سنوات عديدة (وهذا مالا يحدث فى علاج فيروس كورونا) فيمكن أن تسبب هذه الأدوية حالة نادرة للعين تعرف بإسم إعتلال الشبكية (تلف في شبكية العين ، مما قد يسبب ضعف البصر)

يمكن أن يتفاعل كلا الدوائين مع أدوية أخرى ولذلك يجب تعديل الجرعات لمراعاة التفاعلات الدوائية. كما تلاحظ لمركز المكافحة والوقاية من الأمراض الأمريكى أن الأشخاص الذين يعانون من الصدفية يجب ألا يأخذوا أيًا من هذين الدوائين ، كما قد يكون هذين الدوائين غير آمنين أيضًا لمن يعانون من إضطراب ضربات القلب ، أو أولئك الذين يعانون من ضعف في عمل الكلى أو الكبد.

و حيث أن هناك قناعة عالمية مبدئية أن أدوية مادة كلوروكوين وهيدروكسى كلوروكوين هى أدوية جيدة التحمل في التجارب السريرية وتبدو فعالة في علاج فيروس كورونا الجديد (المتحور) ، فإن أغلب دول العالم تتخذ الأن إجراءات لزيادة تصنيع و إمدادات هذين الدوائين,حيث سيكون هناك طلب متزايد عليهما,ولذلك يجب إتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان بقاء الكلوروكوين وهيدروكسى كلوروكوين متاحًا للمرضى الذين يتناولونه لعلاج الأمراض الشديدة والمهددة للحياة الأخرى مثل مرض الذئبة الحمراء والروماتويد( إلتهاب المفاصل الروماتويدي ) وأيضا الملاريا...كما ننصح بعدم أخذ أى من هذين الدوائين إلا بمعرفة الجهات المختصة,حيث أن الجرعات الزائدة قد تؤدى لمضاعفات خطيرة والوفاة فى بعض الأحيان.
د.محمد جابون
[email protected]